كانت رحلة الإسراء والمعراج بمثابة هدية من الله عز وجل إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يخفف عنه ما واجهه أثناء تبليغه للرسالة، من تكذيب لدعوته، وما أعقبه من إيذاء معنوي لا يتحمله بشر، هذا بالإضافة لفقدانه الرفيق والسند من أهله ممن كانوا بمثابة دعم قوي له، وهم زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وعمه أبو طالب الذي كان دائم المساندة له، ولم يكن هذا هو الغرض الوحيد من تلك الرحلة، ولكنها كانت أيضا بمثابة معجزة قوية ودليل مادي على صدق رسالته التي كلفه الله بها،
فبعد مرور عشر سنوات من تبليغ الرسالة حاباه الله بتلك الرحلة العظيمة، ووهو ما اختلف العلماء في تحديده فلا نستطيع أن نؤكد على الوقت الذي حدثت فيه تلك الرحلة العظيمة ولا المكان الذي بدأت منه، وذلك لأن العلماء قد اختلفوا في ذلك على عدة أقوال، فمنهم من قال أنها قد حدثت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، بعام واحد ومنهم من قال قبلها بثلاثة أعوام، كما قيل بأنها قد انطلقت من بيت أم هانئ بنت أبي طالب، وهناك من يقول من المسجد الحرام، إلى غيرها من الأقوال.
رحلة الإسراء والمعراج
بينما كان رسول الله صل الله عليه وسلم عند بيته وهو بين النو واليقظة جاء ثلاثة من الملائكة الكرام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الثلاثة هم ملك الوحي جبريل عليه السلام، وميكائيل عليه السلام وملك ثالث، فأتوا بطست من ذهب ، ملئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا ، وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار فانطلق رسول الله صل الله عليه وسلم هو وجبريل على البراق إلى المسجد الأقصى، فنزلوا بمدينة طيبة، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة بها، وأخبره جبريل بأنه سوف يهاجر إليها، وبعدها نزل الرسول بطور سيناء وهو المكان الذي كلم الله عز وجل فيه نبيه موسى الكليم عليه السلام، ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة هناك أيضا، وبعدها ذهبوا إلى بيت لحم، وهو المكان الذي ولد فيه سيدنا عيسى عليه السلام نبي الله، فقام الرسول بالصلاة فيها، ثم اقترب جبريل عليه السلام من بيت المقدس، ونزلوا عند باب المسجد، وربطة البراق بالحلقة التي كان يربط بها أنبياء الله، وبعدها دخل الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى المسجد ليجد بداخله جميع الأنبياء الذين بعثهم الله قبله، فقام الأنبياء بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمهم وصلى بهم ركعتان داخل المسجد.
الى سدرة المنتهى
سار جبريل عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة المشرفة، وهناك قام بحمله على جناحه، ثم صعد به إلى السماء الأولى، وذلك بعد أن قام جبريل عليه السلام بالاستئذان، فأذن له ، وبعد أن تم الترحيب برسول الله صلى الله عليه وسلم، شاهد الرسول بعض الأحداث التي تجري داخل السماء الأولى، وبعدها حمله جبريل إلى السماء الثانية، فاستأذن فأذن له، وهناك رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، نبي الله عيسى وزكريا ، عليهما السلام، وبعدها صعد جبريل عليه السلام برسول الله إلى السماء الثالثة، وهذا بعد أن استأذن وأذن له، وهناك رأي الرسول سيدنا يوسف عليه السلام، ثم صعد جبريل إلى السماء الرابعة فوجد فيها سيدنا إبراهيم عليه السلام، وفي كل سماء كان يصعدها الرسول كان يجد الترحيب الشديد به، حتى وصل به جبريل عليه السلام إلى سدرة المنتهى، فاقترب جبريل عليه السلام ومعه الرسول من الحجاب، وهو الذي فيه منتهى الخلق، وهناك تركه جبريل وقام باستلامه ملك أخر، فصعد به هذا الملك إلى عرش الرحمن، وهناك انطق الله عز وجل رسوله بالتحيات، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: ” التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله” ، وهناك فرض الله عز وجل على الرسول وأمته الصلاة، وكانت خمسين صلاة في كل يوم وليلة.
ما بين خمسين صلاة
بعدها عاد جبريل ليصحب رسول الله من جديد ولكن إلى الجنة، فشاهد الرسول ما بها من نعيم مقيم لا يتصوره عقل، ثم رأى النار وشاهد كل ما بها من عذاب وأغلال أعدت للعصاة والمشركين، ثم عاد به جبريل عليه السلام إلى نبي الله موسى، فقام سيدنا موسى بإرجاعه إلى ربه حتى يسأله التخفيف في عدد الصلوات، فخفف الله عنه عشر صلوات فأصبحت أربعين صلاة في اليوم والليلة، ثم عاد إلى سيدنا موسى من جديد، فأرجعه موسى إلى ربه حتى يخفف من عدد الصلوات مرة أخرى، فخفف الله عنه حتى صارت ثلاثون صلاة في اليوم والليلة، ثم عاد إلى موسى عليه السلام، فأرجعه إلى ربه يسأله التخفيف، فخفف الله عنه، وظل هكذا حتى خفف الله عنه وعن أمته الصلوات فأصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة، فأرجعه موسى إلى ربه حتى يخفف من عدد الصلوات ولكن الرسول استحى أن يسأل الله التخفيف، مهابة وتعظيم وإجلال له سبحانه وتعالى، فنادا الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم: ” إني قد فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة والخمس بخمسين وقد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي” ، وبعدها عاد جبريل عليه السلام بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى مضجعه، بعد أن مر بكل تلك الأحداث العظيمة في ليلة واحدة ، وذلك بقدرته عز وجل.
حديث الاسراء والمعراج
عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «« بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان – وذكر: يعني رجلا بين الرجلين – فأتيت بطست من ذهب ، ملئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا ، وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار: البراق، فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا، قيل : من هذا؟ قال جبريل، قيل: من معك؟، قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا ولنعم المجيء جاء، فأتيت على ادم فسلمت عليه، فقال مرحبا بك من ابن ونبي فأتينا السماء الثانية، قيل: من هذا، قال: جبريل، قيل: من معك؟، قال محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل: أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على عيسى ويحيى فقالا: مرحبا بك من أخ ونبي.
فأتينا السماء الثالثة قيل: من هذا، قيل: جبريل، قيل: من معك؟، قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على يوسف فسلمت عليه، قال: مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة، قيل: من هذا؟، قيل: جبريل، قيل: من معك؟، قيل: محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل: وقد أرسل إليه، قيل: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال: مرحبا من أخ ونبي، فأتينا السماء الخامسة ، قيل: من هذا؟، قال: جبريل، قيل: ومن معك؟، قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتينا على هارون فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي.
فأتينا على السماء السادسة، قيل: من هذا؟، قيل: جبريل، قيل: من معك؟، قيل: محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل: وقد أرسل إليه، مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على موسى فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فلما جاوزت بكى، فقيل: ما أبكاك؟، قال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي ، يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي، فأتينا السماء السابعة، قيل: من هذا؟، قيل: جبريل، قيل: من معك؟، قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، مرحبا به ونعم المجيء جاء ، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي، فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه اخر ما عليهم.
ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه اذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل، فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران النيل والفرات، ثم فرضت علي خمسون صلاة، فأقبلت حتى جئت موسى فقال: ما صنعت، قلت : فرضت علي خمسون صلاة، قال : أنا أعلم بالناس منك، عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك فسله، فرجعت فسألته، فجعلها أربعين، ثم مثله، ثم ثلاثين، ثم مثله، فجعل عشرين، ثم مثله ، فجعل عشرا، فأتيت موسى فقال: مثله ، فجعلها خمسا، فأتيت موسى فقال: ما صنعت، قلت جعلها خمسة، فقال مثله: قلت: سلمت بخير، فنودي: إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا »» [رواه البخاري]