قصة أصحاب الجنتين، وهي التي ذكرت في القرأن الكريم حيث قال المولى عز وجل في كتابه الكريم “واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً، كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً، وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً، ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً، قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً.
لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً، ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً، فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً، أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً، وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً، ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً، هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقباً”.
من هم أصحاب الجنتين
أصحاب الجنتين هما (عبد الله، الحارث) اللذان سكنا بيتين متجاورين وعملا عملاً متجاور، ولكنهما في منتهى التناقض فقد كان (عبد الله) لا يملك المال الكثير ولا الأولاد ويملك منزل بسيط جدرانه متآكل وأثاثه قديم، بينما كان (الحارث) يملك المال الكثير وعدد كبير من الأولاد ويتمتع ببيت كبير مفروش بالحرير والأثاث الغالي ويأكل أجمل وأحلى الطعام ويحيى حياة رغدة.
وكان (عبد الله) راضي بما قسمه الله له حامداً شاكراً طوال الوقت ولا تترك الابتسامة وجهه، وكان متعبد مطيع ولا يقصر في عبادة خالقه ولا يقصر في الجهاد في سبيل الله إذ لزم الأمر، ويعمل بإتقان ويبذل الجهد في عمله، بينما كان (الحارث) يعبد الأوثان والأصنام ولا يعود عن الجاهلية الأولى ويملك العديد من الرقيق الضعفاء ويمارس عليهم السلطة ولا يحسن إليهم.
ما قصة الجنتين
يمتلك (الحارث) أرضاً واسعة خصبة وبها الماء الكثير الذي يتدفق ليرويها ويزيد من خصوبتها وتحولت الأرض إلى بستان ملئ بالثمار والأشجار، وذات يوم تقابلا كل من (عبد الله والحارث) عند مدخل البستان وكان الأول يمسي على قدميه ويحمل الأدوات الثقيلة التي يستخدمها في عمله ويتساقط العرق منه، بينما كان الثاني راكباً الخيل مفتخراً بذاته، ودار بينهما حوار على هذا النحو:-
تحدث (الحارث) مع (عبد الله) وقال له أن العذاب الكبير في انتظاره لأنه اتبع الدين الإسلامي والنبي محمد ويأمره بالعودة إلى دين الآباء، وذكر أنه يعيش عيشة كريمة ويمتلك البستان الواسع والمال الكثير وأخذ يتعالى ويسخر من (عبد الله) قائلاً له “ألم ترى النعيم الذي أحيا فيه أم أنك لا ترى من السحابة التي تغطي عينيك بسبب الإيمان الذي اتبعته وما هو إلا إيمان كاذب لان النعيم هو الذي امتلكه”.
وعندما دخل (الحارث) البستان الذي يمتلكه وقال لنفسه في كبر وغرور هل يفنى هذا المال والملك؟، وأجاب بالنفي مؤكداً أنه لا وجود للقيامة التي يتحدث عنها (عبد الله)، وما يقوله هو محض افتراء وكذب ولكن (عبد الله ) قاله له “لا تنسى يا حارث المولى الذي خلقك ولا تبهرك الدنيا بما فيها من زينة ومال، وأنا بالفعل لا أعبأ بالحياة ولا أهتم بها لأنها مهما طالت إلى زوال، ولكني أنظر إلى الجنة التي وعد الله بها المؤمنون والتي عرضها السماوات والأرض”.
ولكن (الحارث) أراد أن يترك (عبد الله) ويمضي في طريقه دون أن يستمع إلى ما يقول ولكن الثاني أوقفه، وقال له “لا يغرك البستان الذي تمتلكه ولا تنظر إليه بالتعالي والفخر ولكن عليك أن تشكر خالقك بقول ما شاء الله، لأن كل ما تمتلكه من نعم هو من فضل الله وعليك فقط الشكر وصيانة النعمة والحفاظ عليها، لأن الأولاد والمال الكثير لا يملكون لك الحماية من غضب الله لأنه وحده القادر على المنح والقادر على المنع، ويستطيع إزالة ما تمتلك بين غمضة العين وانتباهها ويقول للشيء كن فيكون”.
وبينما استمع (الحارث) لكلام (عبد الله) سار في طريقه نحو البستان وهو على نفس المعتقد وأصبح ممن ظلموا أنفسهم ونسوا الله، فوجد السماء مليئة السحاب الأسود ويتنزل منها المطر الغزير وبدأت الرياح تقتلع الأشجار والثمار وتدمر البستان بالكامل، وبينما هو يشاهد ما حوله ويبكي وأصبح كمن جن وفقد عقله لاعتقاده أن ما حدث ما كان سيحدث أبداً.
خلاصة القول
الخالق سبحانه وتعالى يذكر لنا القصص بالقران الكريم لنتعلم ونتعظ ونتفهم ومن خلال قصة أصحاب الجنتين نتعلم أن المؤمن هو من يسعد في الدنيا والآخرة، وأن الكافر مهما رأى أنه سعيد في الدنيا فهو على باطل لأن الدين عند الله هو الإسلام والله هو الواحد الأحد الملك والقادر على كل شيء.