عرف الحسن البصري بزهده وورعه، وكثرة عظاته عن الموت وخشية الله وانشغال العباد بالدنيا عن عبادة الله فكان يبكي دائمًا من خشية الله ويبكي من حوله، وهذه إحدى عظاته التي ألقاها وحكى فيها عن المرأة التي ماتت هي ولدها من خشية الله وذكرهم للموت وقد وردت تلك القصة في كتاب ألف قصة وقصة من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين.
الحسن البصري يعظ “ألا تبكون؟”:
جلس الحسن البصري ذات يوم يعظ الناس فجعلوا يزدحمون عليه ليقربوا منه، فأقبل عليهم، وقال : يا إخواني، تزدحمون على لتقربوا مني، فكيف بكم غدا في القيامة إذا قربت مجالس المتقين، وأبعدت مجالس الظالمين، وقيل للمخففين: جوزوا، وللمثقلين: حطوا، فيا ليت شعري، أمع المثقلين أحط أم مع المخفين أجوز؟ ثم بكی رحمه الله حتى غشي عليه وبكى من حوله.
فأقبل عليهم، وناداهم : يا إخواني، ألا تبكون خوفًا من النار؟ ألا من بكی شوقا إلى الله لم يحرم من النظر غدا إلى الله، إن تجلى بالرحمة واطلع بالمغفرة واشتد غضبه على العاصي، يا إخواني، ألا تبكون من عطش يوم القيامة؟ يوم يحشر الخلائق، وقد ركبت شفاههم ولم يجدوا ماء إلا حوض المصطفى صل الله عليه وسلم فيشرب قوم ، ويمنع آخرون، ألا وإن من بكی من خوف عطش ذلك اليوم سقاه الله من عيون الفردوس، ثم نادي الحسن البصري رضي الله عنه: وا ويلاه إذا لم يروى عطشي يوم القيامة من حوض المصطفى صل الله عليه وسلم.
قصة المرأة التي تمنت الموت حبًا في لقاء الله:
ثم بكى الحسن البصري وجعل يقول: والله لقد مررت ذات يوم بامرأة من المتعبدات وهي تقول: إلهي، قد سئمت الحياة شوقًا ورجاء فيك، فقلت لها: يا هذه ، أتراك على يقين عملك؟ فقالت : حبي فيه وحرصي على لقائه بسطني، أتراه يعذبني وأنا أحبه؟
فبينما أنا كذلك أخاطبها إذ مر بي صغير من بعض أهلي فأخذته في ذراعي ، وضممته إلى صدري ثم قبلته، فقالت لي: أتحب هذا الصبي؟ قلت: نعم، قال : فبكت، وقالت: لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدا ما قرت أعينهم ولا التذت قلوبهم بشيء من الدنيا أبدا، قال: فبينما أنا كذلك إذ أقبل ولد لها يقال له: ضغیم، فقالت: يا ضغیم أتراني أراك غدا يوم القيامة في المحش ، ويحال بيني وبينك ؟ قال: فصاح الفتي صيحة ظننت أنه قد انشق قلبه، ثم خر مغشيا عليه.
فجعلت تبكي عليه وبكيت لبكائها ، فلما أفاق من غشيته قالت له: يا ضغیم، قال لها: لبيك يا أماه، قالت: أتحب الموت؟ قال: نعم، قالت: لم يا بني؟ قال: لأصير إلى من هو خير منك ، وهو أرحم الراحمين، إلى من غذاني في ظلمة أحشائك، وأخرجني من أضيق المسالك، ولو شاء لأماتني عند الخروج من ضيق ذلك المسلك حتى تموتي أنت من شدة أوجاعك، لكنه برحمته ولطفه سهل علي وعليك، أما سمعته عز وجل يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [سورة الحجر: 49-50] .
وجعل يبكي وينادي: أواه أواه إن لم أنج غدًا من عذاب الله، ولم يزل يبكي حتى غشي عليه وسقط في الأرض، فدنت منه أمه فلمسته بيدها ، فإذا هو ميت -رحمه الله – فجعلت تبكي وتقول: يا ضیغماه، یا قتیل مولاه ، ولم تزل كذلك حتى صاحت صيحة عظيمة ووقعت على الأرض، قال الحسن: فحركتها، فإذا هي قد ماتت رحمة الله عليه وعليها ورحمنا أجمعين.