يقترف الإنسان منا العديد منا الأخطاء الجسيمة، ويقع في أكبر الكبائر، ولكنه لا يعطي اهتمام لما قام باقترافه، بل ولا يشعر ولو للحظة بالندم على ما فعل، أو يفكر في التوبة من هذا الذنب، حتى تأخذه الحياة في تيهتها ويلقى الله على ذنبه الذي اقترفه، وتكون النتيجة خسارة عظيمة في الأخرة، حيث لا وقت للتوبة، ولا للرجوع، والقصة التي نحن بصددها تتحدث عن صحابي جليل، ربما خدعه الشيطان حتى وقع في الذنب، ولكنه أصر على أن لا يلقى ربه عز وجل إلا وقد تخلص من ذنبه هذا.
ماعز بن مالك الأسلمي
عريب بن مالك وشهرته ماعز بن مالك الأسلمي صحابي جليل، في يوم من الأيام استطاع الشيطان أن يتغلب على ماعز حتى وقع في خطيئة الزنا، ولكنه قد شعر بالندم الشديد على ما فعل، حتى أرقه هذا الذنب وظل يتمنى أن تعود به الأيام حتى لا يقدم على ما فعل، فرأى أحد أصحابه ويدعى هزال، الحالة التي وصل إليها ماعز من الندم والرغبة الشديدة في التوبة، فما كان منه إلا أن نصحه، بالذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والاعتراف له بما قام بفعله.
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذهب ماعز إلى رسول الله واعترف له بذنبه، وطلب منه أن يقوم بتطهيره من هذا الذنب الذي قد أثقله، وبعد أن سمع منه الرسول صلى الله عليه وسلم، كلامه هذا، ما كان منه إلا أن أمر ماعز بأن يذهب ويستغفر الله عما فعله، وبالفعل ذهب ماعز ولكنه عاد مرة أخرى إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه، وطلب منه أن يطهره من ذنبه، ولكن رسول الله أمره بالاستغفار من الذنب مرة أخرى، ولكن ماعز عاد إلى الرسول لثالث مرة، طالبًا منه بإلحاح شديد أن يطهره مما فعل، والنبي مصر على أمره بالذهاب والاستغفار من فعله، إلى أن عاد ماعز إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للمرة الرابعة، طالبًا منه التطهير.
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلحاح ماعز بن مالك في طلب التطهير من الذنب، رغم محاولته صلوات الله وسلامه عليه، أن ينجي ماعز من حد الموت، سأله عن الشيء الذي يريد أن يتطهر منه، فأجابه ماعز بأنه يريد أن يتطهر من خطيئة الزنا، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بسؤال قومه عن صحة عقله، وهل به جنون أم لا، ولكن قومه قالوا بصحة عقله وخلوه التام من الجنون، فعاد الرسول ليسأل، أشرب خمر؟ فقام رجل من الحاضرين وشم فم ماعز ليرى إن كان سيخرج منه رائحة الخمر أم لا، ولكنه لم يجد شيء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم له: أزنيت؟ فأجاب ماعز بنعم، رق رسول الله لحاله لعله لم يقع في الزنا حقيقة ولكن فعل أمر من الأمور الأخرى، التي هي أيضًا زنا ولكن ليست بالزنا الصريح، فكان يقول له لعلك قبلت، أو غمزت أو نظرت، ولكن ماعز قد أكد للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قد وقع في الزنا صراحة، ولذلك لم يجد الرسول أمامه سوى أن يقيم عليه حد الله وهو الرجم بالحجارة حتى الموت، رغم محاولته صلى الله عليه وسلم أن ينجيه من ذلك.
الستر أفضل
وهو ما حث عليه النبي صلى الله عليه حين قال له: « والله يا هزال لو كنت سترته بثوبك كان خيرا مما صنعت به» وكان في قوله صلى الله عليه وسلم هذا، ليس فقط رسالة لهزال وإنما رسالة لصحابته رضوان الله عليهم، أن يكونوا عونًا لبعضهم البعض نحو التوبة وأن يكونوا سِترًا لبعضهم البعض، وليسوا جلادين، فلو أن هزال ستر على صاحبه، وساعده على العودة إلى التوبة والاستغفار، لما كان سببًا في موت ماعز بن مالك رضي الله عنه.