نسبه وسيرته: هو عبادة بن الصّامت بن قيس بن أصرم بن فهر الخزرجيّ الأنصاريّ، أمّه هي قرّة العين بنت عبادة وزوجته هي أم حرام بنت ملحان وأخوه أوس بن الصّامت زوج السّيدة التي أنزل الله فيها: . ويُكنّى بأبي وليد: “ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ”. كان رضي الله عنه طويلًا أسمر البشرة. من الأنصار الذين آووا ونصروا وجاهدوا في سبيل الله حقّ جهاده.
إسلامه وفضله: أسلم وشهد مع النّبي بيعتي العقبة. آخى النّبي عليه السّلام بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وشهد مع النّبي عليه الصّلاة والسّلام المشاهد كلها منها بدر والخندق.
كان من الخمسة الذين جمعوا القرآن في عهد النبيّ عليه الصّلاة والسّلام مع أبي أيّوب الأنصاريّ وأبي الدّرداء ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب.
استعمله النّبيّ على بعض الصّدقات لأهل الحاجة، وكان يعلّم رضي الله عنه أهل الصّفة القرآن ويفقّههم فيه.
أرسله الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب حين فتح المسلمون الشّام إليها ومعه صاحبيه أبو الدّرداء ومعاذ بن جبل. فأقام عبادة بن الصّامت في حمص، وأقام أبو الدّرداء في دمشق، وذهب معاذ بن جبل إلى فلسطين. وكان عبادة بن الصّامت هو أوّل من تولّى قضاء فلسطين في الشّام.
كان من أشراف الأنصار، وكان خطيبًا بليغًا لا يخشى في الله لومة لائم، فقام يومًا في الشّام يخطب في النّاس يعلّمهم أمر البيع والشّراء كي لا يجور الرّجل على أخيه بغير علم.
وصفه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وقال: ” عبادة في الرّجال كألف رجل “.
وقد حدث أنّه أنكر على معاوية بعض عمله، فاختلفا، فرحل إلى المدينة حيث سأله عمر عمّا أقدمه فأخبره بعمل معاوية، فقال عمر: “ارجع إليهم، فقبّح الله أرضًا ليس فيها أمثالك، فلا إمرة له عليك”
قوّته في الحقّ: عُرِف عبادة بميله للحقّ والاستقامة على طريق الله القويم، وكان باغضًا لكل حالٍ ذي عوجٍ عن دين الله ونهج نبيّه، وكان ذلك جليًّا في مواقفه وحكمه ونصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
كان يومًا في مجلسٍ له مع معاوية، فقام خطيبٌ من الخطباء ليمدح معاوية، فمن فوره قام عبادة وجاء ببعض التّراب بيديه ودسّه في فم الخطيب دسًّا.
ولمّا غضب معاوية من فعلة عبادة، حاجّه عبادة بقلب العارف القويّ الأمين وذكّره ببيعتهم النّبيّ عليه السّلام على السّمع والطّاعة لأولياء الأمر وأن يقوموا بالحقّ في كل آنٍ وألّا يخافوا في الله لومة لائم وذكّره بقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: “إذا رأيتم المدّاحين، فاحثّوا في أفواههم التّراب”
وقد كتب بعدها معاوية إلى سيّدنا عثمان بن عفّان يشتكي إليه عبادة بن الصّامت، ويطلب منه أن يأخذه عنده أو أن يبعده معاوية بنفسه عن الشّام، فأمر عثمان أن يُرحَّل عبادة إلى المدينة..فدخل عبادة على عثمان وقال بين ظهراني النّاس بصوتٍ جهور: ” سيلي أموركم بعدي رِجال يعَرِّفونكم ما تنكرون، وينكِرُونَ عليكم ما تعرِفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلوا بربكم”. فوالله إنّي لأجد صاحبكم – يعني معاوية – منهم.. فلم يعقّب عثمان.
ولمّا كان في الشّام، رأى قِطارة تحمل خمرًا يُباع لأحد رجال الشّام. فقام إلى القاطرة بشفرةٍ فلم يترك فيها رأوِية إِلا بَقَرَهَا. فاستجار هذا الرّجل بأبي هريرة وراجعه في أمر عبادة فإنّه يشقّ على النّاس ويمرّ في الطّرقات يقسو عليهم ويذكر معايب الفاسدين، فدخل عليه أبو هريرةوسأله: يا عبادة، ما لك ومال معاوية؟ ذره وما حُمِّل.
فأجابه: “إنّك لم تحضرنا حين بايعنا على السّمع والطّاعة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وألّا يأخذنا في الله لومة لائم”.
جهاده في سبيل الله وفتوحاته: شارك في فتح اللّاذقية وجبلة وقبرص حيث توفِّيت زوجته وضريحها لا يزال هناك وله اسمه “هالة السّلطان”
كما حضر فتح مصر، وكان أمير ربع المدد، وقائدًا لفتح الاسكندريّة في العام الخامس والعشرين من الهجرة بتفويضٍ وأمرٍ من عمرو بن العاص حين فكّر بالأمر ورأى أنّه لا يُصلح آخره إلّا من أصلح أوّله (ويقصد الأنصار) ثم دعا بعبادة وولّاه الأمر.
كان قائد وفد التّفاوض المبعوث إلى المقوقس، الذي ارتعد من هيئة وقوة شكيمة عبادة ففضّل جانب السّلامة وسحب قوّاته..ومن هنا كان نصر المسلمين.
وفاته:
توفّي في سن الثانية والسّبعين، وقيل أنّه دُفِن في القدس، أو في مدينة الرّملة.وكان ذلك في سنة أربعة وثلاثين هجريًّا في خلافة عثمان بن عفّان