نسبه وسيرته: هو الصّحابي عمَيْر بن سَعْد بن شُهَيْد بن النّعمان بن قيس بن عَمْرو بن زيد بن أميّة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاريّ، كان من الغلمان الذين بايعوا النّبي عليه السّلام، شهِد أبوه سعد بن عبيد بدرًا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم وباقي المشاهد، وارتقى شهيدًا في موقعة القادسيّة. وزوج والدته – أي عمير – هو الجُلاس بن سويد الذي نزلت فيه آيةٌ من سورة التّوبة.
أخلاقه:
غيرته على دين الله وصدقه:
اظهر عُمير بن سعد صدقًا في الإخلاص لدين الله ولو على ذوي القربى من أهله، وظهر هذا جليًّا في موقفه مع زوج والدته الجُلاس بن سويد. فقد سمع الجُلاس يومًا يقول عن النّبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم ” إن كان مُحمّدٌ صادقًا فيما يدّعيه، فنحن شرّ حمير”.
ومن هنا أسرع عُمير بن سعد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونبّأه بما قال الجُلاس زوج والدته، وحينها استدعاه النّبيّ وواجهه بقوله فحلف الجُلاس كذبًا أنّه ما قال ما قال وكذّب ابن زوجته عُمير أمام النّبيّ وصحابته عليهم رضوان وصلوات الله. حينها أنزل الله الوحي على النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بالآيات المُبرّئة لعُمير والتي تُحاجّ الجُلاس بكذبه، وهي من سورة التّوبة: ” يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ”
حينها هتفَ الجُلاس واعترف بفعلته، وقال: “بل أتوبُ يا رسول الله، بل أتوب..”.
بكى عمير بن سعد حينها – وهو الفتى الصّادق الوفيّ – من فرحه سعيدًا بما برّأه الله، وما في هذا التّنزيل من تكريم لشخص عمير. فأجاءه النّبيّ ومسَح على أذنيه وقال : “وفَت أُذنك – يا غُلام – ما سَمِعَت، وصدَّقك ربُّك “..فأيُّ شرفٍ قد يرنو إليه عبدٌ مثل أن يُصدّقه ربّه، ويشفي صدره أمام من طُعِن في مروئته أمامهم بقرآنٍ يُتلى حتّى يوم القيامة يشهد لعمير بصدقه وطُهر سريرته؟
حُسن إدارته وزُهده في الملك:
بعد تولّيّ سيّدنا عمر بن الخطّاب الخلافة على المسلمين بعد سيّدنا أبي بكر، اختار من الرّجال من يتولّى ولاية وإمارة البلاد معه، وكان له في هذا الإختيار معايير وأُسس نافدة البصيرة لا يقبل فيها تنازلًا أوضحها في خطابه الشّهير:
” أريد رجلًا إذا كان في القوم وليس أميرًا عليهم، بدا وكأنّه أميرهم. وإذا كان فيهم وهو عليهم أمير، بدا وكأنّه واحدٌ منهم.
ألا وإنّي أريدُ واليًا لا يُميّزُ نفسه على النّاس من حوله في ملبسٍ ولا في مَطعمٍ ولا في مَسكن. يُقيم فيهم الصَّلاة ويُقضي بينهم بالحقّ، ويحكم فيهم بالعَدل، ولا يُغلق بابَه دُون حوائجهم..”
وبتلك الأسُس التي أقرّها عمر بن الخطّاب، اصطفى عميرًا وولّاه حمص. وبرغم محاولات عمير أن يعتذر عن هذه الولاية والمسؤولية الجمّة والفتن العظيمة التي تنتظره من ورائها، إلّا أنّ عمر بن الخطّاب أصرّ عليه وألزمه به.
ولم يُخيّب عميرٌ عمرًا. فقد مضى واضعًا لنفسه دستورًا يحكم به المسلمين فلا يضارّهم ولا يضارّونه. وخطب في أهل حمص قائلًا” ألا إن الإسلام حائطٌ منيع، وبابٌ وثيق، فحائط الإسلام العدل، وبابه الحق، فإذا نُقِضَ (هُدِمَ) الحائط، وخطم الباب، استفتح الإسلام، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتد السلطان، وليست شدة السلطان قتلاً بالسّيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاءً بالحق، وأخذًا بالعدل.”
وبقيَ فيهم عامًا كامل، لم يصل منه خراجٌ ولا كتاب لأمير المؤمنين فبعثَ عمر في طلبه. وصل إليه عمير أشعثًا أغبر يحمل جرابًا وقصعة وقِربة ماء وفي يده عصاه. فدخل وسلّم على أمير المؤمنين، فسأله عمر عن خطبه لما وجد من هيئته من إعياءٍ وجهد، فقال:
” شأني ما ترى، ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا أجُرُّها بقَرْنيها ؟” فسأله عُمر عمّا معه، فأجاب: ” معي جرابي أحمل فيه زادي، وقَصْعَتي آكل فيها، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعصاي أتوكأ عليها، وأجاهد بها عدوّا إن عَرَض فوالله ما الدنيا إلا تَبعٌ لمتاعي!”
سأله عمر لما لم يأت بدابّة، فأجاب: إنهم لم يفعلوا، وإني لم أسألهم
وسأله عمّا صنع فيما عُهِّد إليه، فقال: أتيت البلد الذي بعثتني إليه، فجمعت صُلَحَاء أهله، وولّيتهم جِباية فَيْـئهـم وأموالهم، حتى إذا جمعوها وضعتها في مواضعها، ولو بقـي لك منها شيء لأتيتـك به .
فأراد عمر أن يُجدّد لعمير ولايته، لكنّه رفض وقال: تلك أيام قد خلت، لا عَمِلتُ لك ولا لأحد بعدك.
وظل عمر بعدها يقول: وَدِدْتُ لو أن لي رجالا مثل عُمير أستعين بهم على أعمال المسلمين.
وفاته: تُوفِّي في مدينة رسول الله في عهد خلافة عمر بن الخطّاب.