“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ” [المائدة:1] يأمر الله تعالى عباده في الآية الكريمة بأن يوفوا بالعقود أي العهود التي عاهدوا الله عليها، ثم ذكر لهم ما أحل من أنواع اللحوم، وحرم عليهم الصيد في حالة الإحرام واختتم الآية بأن الله يحكم بما يريد يحل ويحرم ويشرع كيفما يشاء.
تفسير النداء للمؤمنين :
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا” الخطاب موجه للمؤمنين الذين أفردوا العبودية لله وحده دون شريك، والذين آمنوا برسالة رسوله وحبيبه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، والخطاب هنا جاء في صورة نداء للمؤمنين ليستحثهم على الإنصات لما بعد النداء.
تفسير أوفوا بالعقود :
“أَوْفُوا بِالْعُقُودِ” أي أوفوا بالعهود التي عاهدتم الله عليها وأوجبتموها على أنفسكم فأتموها كما الزمتم بها أنفسكم أمام الله، وقد اختلف العلماء في تفسير العقود التي أمر الله المسلمين بالوفاء بها، فقال بعض العلماء أن المقصود بالعقود : هي الحلف، أي التحالف فقد كان أهل الجاهلية يعاقد بعضهم بعضًا على النصرة والمؤازرة على من حاول ظلمه أو أذيته، وقال ثني معاوية بن صالح، عن على، عن بن عباس : يعني العهود، وقال آخرون : أن الحلف المقصود هي الحلف بالإيمان والطاعة التي أخذها الله على عباده فيما احل لهم وحرم عليهم، وقد روي عن قتادة أنه : عقد الجاهلية استناداً لقول رسول الله صل الله عليه وسلم “أوفوا بعقد الجاهلية، ولا تحدثوا عقداً في الإسلام”، وقال بعض المفسرون أن هذه الآية هي أمر من الله عز وجل لأهل الكتاب بالوفاء بالعهود والمواثيق من العمل بما ذكر في التوراة والإنجيل في تصديق النبي محمد صل الله عليه وسلم، وأجمع العلماء أن المقصود بالعقود هو العهود.
تفسير أحلت لكم بهيمة الأنعام :
اختلف المفسرون في بهيمة الأنعام فمنهم من قال : المقصود بها الأنعام كلها، ومنهم من قال المقصود : الإبل والبقر والغنم، وعن ابن عمر قال : بهيمة الأنعام ما في بطونها، وهو بمنزلة رئتها وكبدها، وعن بن عباس قال : الجنين من بهيمة الأنعام فكلوه، وقال بعضهم بهيمة الأنعام : وحشيها كالظباء وبقر الوحش والحمر.
تفسير إلا ما يتلى عليكم :
فسرها البعض : أحلت لكم أولاد الإبل والبقر والغنم، إلا ما بين الله لكم فيما يتلى عليكم، عن السدي : الميتة والدم ولحم الخنزير، وعن بن عباس : الميتة والدم ولحم الخنزير ، وأشار بعض العلماء أن أولى التأويلين هو : إلا ما يتلى عليكم من تحريم الله ما حرم عليكم والمقصود الميتة والدم والخنزير.
تفسير غير محلي الصيد وأنتم حرم :
قال بعض المفسرون : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود غير محلي الصيد وأنتم حرم، أحلت لكم بهيمة الأنعام، وقال بعضهم : أوفوا أيها المؤمنون بعقود الله التي عقدها عليكم في كتابه، لا محلين الصيد وأنتم حرم، وقال آخرون : أحلت لكم بهيمة الأنعام الوحشية من الظباء والبقر والحمر، غير مستحلي اصطيادها وأنتم حرم، وقال آخرون أن المعنى : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بعقود الله التي عقد عليكم، مما حرم وأحل، لا محلين الصيد في حرمكم، ففيما أحل لكم من بهيمة الأنعام المذكاة دون ميتتها متسع لكم ومستغنى عن الصيد في حال إحرامكم.
تفسير إن الله يحكم ما يريد :
أراد الله توضيح الأمر لعباده، بأن الأمر كله بيده حله وحرامه يحل ما يريد ويحرم ما يريد لعلة لا يعلمها إلا الله، فهو يضع مقادير الكون بيده ولا دخل لأحد بإرادته أينما كانت، فقد فرض الفروض وأوجب الواجبات وعلينا السمع والطاعة والتنفيذ دون أي اعتراض.