في القرن الرابع الهجري هجوم القرامطة على مكة المكرمة ، وقتلوا نحو 1700 حاج ، عندما كان معظمهم متمسكا بأستار الكعبة المشرفة . كما انهم قتلتوا في حملاتهم الوحشية نحو قرابة 30 ألفا وبائوا بإرماء جثثهم في بئر زمزم دون أن يغسلوا أو سكفنوا . ومن أشهر العلماء المقتولين أثناء هجوم القرامطة هو الحافظ أبوالفضل وأبوسعيد البردعي . ومع هجوم القرامطة ، فقد سرقوا النفائس والحلي الموجودة في الكعبة المشرفة .
من هم القرامطة
القرامطة هم جماعة دينية توفيقية تجمع بين عناصر من الفرع الإسماعيلي الشيعي مع الصوفية ، حيث أقاموا ببناء جمهورية طوباوية دينية في عام 899 م . وينسب مؤسس القرامطة إلى حمدان بن الأشعث الملقب بـ “قرمط” ، وهو من قدم خوزستان ونزل بموضع في الكوفة في حوالي سنة 273 ، كما انه من تظاهر بالورع والزهد والتقشف ، ويكثر من الصلاة ، كما إذا حدث الناس في أمر الدين أوضح زهده في الدنيا ، وأخبرهم عن قيام الخمسين صلاة المفروضة على الناس في اليوم والليلة ، حتى يوضع في موضع الإمام ، فأقام “قرمط” على الدعاية حتى اجتمع حوله أناسا كثيرون .
القرامطة هم طائفة من طوائف الشيعة الذين ينتمون إلى الإسماعيلية ، وقد نشر هؤلاء القرامطة للدجل والكذب في دعوتهم إلى مذهبهم ، كما بثوا دعواتهم في المناطق المتطرفة والتي تنتشر بين الناس والتي يغلب عليهم الجهل والبحث وقلة النظر ، مما يسهل مأمورية استمالة الناس إلى مذهبهم .
أتبع هؤلاء القرامطة لـ نظرية الإمامة ، بإعتبارها من أهم مبادئ هذا المذهب ، كما اتبعوا أهم النظريات الفارقة في نظرية التأويل والتي تعني تفسير النصوص على غير ظاهرها ، فهم يحرفون أقوال الرسل والأئمة .
هجوم القرامطة على مكة
كان القرامطة من الإسماعيلية ، والذين بدأوا بالدعوة إلى الإمامة القائمة في أبناء محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، وأن إمامهم هو الإمام القائم الحي . تمكنوا من فتنة عدد كبير من أهل البادية والفلاحين وضموهم إلى مذهبهم ، وبدأوا بالكتابة على أعلامهم ليرفعوها أثناء القتال من الآية الشريفة “وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ” سورة القصص: الآية 5 .
تدرج القرامطة في دعوتهم ، ليجذبوا الناس إلى التشييع وإلى الإمام من أهل البيت ، ثم تدرجوا شيئاً فشيئاً إلى الإباحة والغلو ، حيث ذكر القاضي عبد الجبار عنهم: (ألا ترى أن من بالإحساء من القرامطة والباطنية لما غلبوا شتموا الأنبياء ، وعطلوا الشرائع وقتلوا الحجاج والمسلمين حتى أفنوهم ، واستنجوا بالمصاحف والتوراة والإنجيل) .
اتخذ القرامطة موقفاً عجيباً مع الحجاج وقوافل الحج ، ففي موسم الحج في عام سبعة عشر وثلاثمائة ، هاجم قرامطة البحرين لـ مكة المكرمة ، بينما استحلوا حرمة بيت الله الحرام ، وبدأوا برفع سيوفهم على رقاب الحجيج ، وسلبوا كسوة الكعبة الشريفة ، كما قاموا بخلع باب الكعبة ، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه حتى احتملوه إلى بلادهم نحو اثنتين وعشرين سنة حتى أعادوه إلى مكة المكرمة . وجاء القرامطة حينذاك ، بأعمال السلب والنهب في مكة المكرمة ، وقتلوا نحو زهاء ثلاثين ألفا من أهل البلد ومن الحجاج ، وعملوا على سب النساء .
وفي هجوم القرامطة ، كانوا أشد بطشاً في حصد رؤوس المصلين والطائفين ، حتى انهم يتبعوا من يهرب إلى الجبال والوديان خشياً من بطشهم . وحينذاك صاح الناس على القرامطة وسألوهم : أتقتلون ضيوف الله ؟ . . فيرد عليهم القرامطة : بأن من يخالف أوامر الله ليس بضيف له .
في هذه الحملة الوحشية وصل عدد القتلى إلى نحو 30 ألف شخص ، بينما رمى القرامطة لجثث القتلى في بطن بئر زمزم ودفن منهم الكثير دون أن أن يغسلوا أو يكفنوا ، بل عملوا من جثثهم كومات متراكمة . وأنشد حينذاك أبوطاهر بالقرب من الكعبة للبيت التالي :
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا
ومع الحملة الوحشية للقرامطة في قتل الحجاج والاستيلاء على أموالهم ودفنهم دون أن يغسلوا أو يكفنوا ، فقد قاموا بأعمال النهب والسرقة لمعظم النفائس والحلي الموجودة في الكعبة ، بما في ذلك ستار الكعبة المشرفة ، كما قلعوا الباب وعمدوا به إلى ميزابها لقلعه وأرسلوا واحداً منهم إلى سطح الكعبة ، إلا ان أمر الله نفذ في سقوط المرسل ميتاً في الحال من على السطح .
ومن فجر القرامطة ، فقد سرق الحجر الأسود بعد أن إقتلاعه بالفأس أو المقلاع وحملوه معهم إلى البحرين ، وقد أضافت مصادر تأريخية قائلة: إنَّ أبا طاهر ضَرَبَ الحجر الأسود بفأس كانت بيده وذلك في محاولة لقلعه ، فانكسر الحجر ثمّ التفت إلى الجموع هناك قائلا لهم: أيّها الجهلة! أنتم تقولون: إنَّ كلّ من يرد البيت فهو آمن وقد رأيتم ما فعلتُ أنا إلى الآن . فتقدم إليه رجل من الحاضرين ممّن كان قد هيأ نفسه للموت فأمسك بلجام حصان أبوطاهر وأجابه قائلا: إنَّ معنى ذلك ليس كما قلت بل انَّ المعنى هو أن من يدخل هذا البيت فعليكم منحه الأمان على نفسه وماله وعرضه حتّى يخرج منه . فامتعظ القرمطي وتحرك بحصانه دون أن ينبسّ ببنت شفة .
وجاء في التأريخ: في هذه الحملة الهجومية ، قتل العديد من العلماء المحدثين ، وذلك أثناء الهجوم الذي هاجم به القرامطة على الحجاج أثناء طوافهم ، من أشهرهم : الحافظ أبوالفضل بن حسين الجارودي ، بالإضافة إلى شيخ الحنفية في بغداد أبوسعيد أحمد بن حسين البردعي وأبوبكر بن عبدالله الرهاوي وعلي بن بابويه الصوفي وأبوجعفر محمّد بن خالد البردعي “الساكن في مكة” .
في ذلك الوقت ، أنشد أحد المحدثين بيتاً من الشعر بينما أحيطت به سيوف القرامطة ، وكان هذا البيت الشعري :
ترى المحبّين صرعى في ديارهم كفتية أهل الكهف لايدرون كم لبثوا .
ظل القرامطة في طغيانهم في مكة المكرمة لمدة أحد عشر يوماً وبرواية أخرى ستة أو سبعة أيام ، حتى عادوا بعدها إلى الإحساء ومعهم الحجر الأسود ، بينما ذكر في بعض المصادر التاريخية بأخذ القرامطة للحجر الأسود إلى البحرين .
وظل الحجر الأسود بحوزتهم حتى 22 عاماً في البحرين ، وخلال هذه الفترة ، كانت هناك محاولات عدة في إعادة الحجر الأسود دون جدوى ، ومنها في عرض الخلفاء على القرامطة مبلغاً بقيمة 50 ألف دينار مقابل إرجاع الحجر الأسود ، إلا أن القرامطة أصروا على عنادهم .
عاد الحجر الأسود إلى مكة المكرمة في سنة 339 ، وقد حمله رجل يدعى سنبر من القرامطة الذي أعاد الحجر الأسود بيده إلى مكانه ، وبذلك انتهت محنة المسلمين في الأرجاء كافة ، إلا انها بقيت وصمة العار على جبين القرامطة .
كان القرامطة من كرسوا موضوع المهدية في خدمة أغراضهم الدنيئة . مما تسبب في إندحار جيشهم أمام الجيش العباسي مرة في عام 316 وذلك بالقرب من مدينة الكوفة ، وحينها ، سقطت رايات القرامطة من أيديهم وفروا هاربين . وهكذا فقد عمل زعماء القرامطة على استغلال هذه النقطة مع الاعتقاد السائد حول المهدية ، واتخذوها ألعوبة بأيديهم في تلك الحقبة . وبعد ذلك قامت الحكومات بملاحقة القرامطة وقتلهم ، وبخاصة لأشد المناوئين للقرامطة وهو السلطان محمود الغزنوي . وأنشد حينذاك شاعر البلاط الغزنوي “فرخي سيستاني” ، وقال :
قد أخذتَ الرَّيَّ فانظر
مُلككَ اليومَ منىً وكذا الصفّا
ثم أنشد الشاعر نفسه بعد وفاة السلطان محمود الغزنوي يرثيه قائلا:
أبكي وقد فرحَ القرامط إثْرَ موتك فلاخافوا شجاعاً ولابطشاً كبطشك .