في السنة التاسعة من الهجرة بعد أن دانت العرب لرسول الله صلّ الله عليه وسلم لم يبقى إلا دولة الروم أقرب الدول للرسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فالروم لم يعجبهم ما حدث في غزوة مؤتة لأن فيها جرحت كرامتها فأعدت جيش عظيمًا لغزو المدينة جمعت فيه عشرات الألاف و تجمع معهم نصارى العرب لكي يغزو مدينة رسول الله فسمع النبي صلّ الله عليه وسلم بهذا فإستنفر الناس و لم يكن من عادته صلّ الله عليه وسلم أن يخبرهم أين يتوجه في المعارك إلا في تلك المعركة التي سميت بغززة تبوك .
تجهيز الجيش :-
في السنة التاسغة للهجرة بدأ النفير العام فتجمع الناس خارج المدينة كلهم يريد القتال مع رسول الله و لكنت كانت المؤونة والسلاح لا يكفي لهذه الألوف التي جاءت لتقاتل مع رسول الله و كان الجو حارًا ، استنهض رسول الله الهمم من ينفق و يتبرع لكي ينقذ الجيش و كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه قافلة من 200 بعير محملة يريد أن يسيرها إلى الشام فأرجعها و تبرع بها كلها في سبيل الله و جاء بمائة بعير أخرى و تبرع بها و ثم جاء بألف دينار و نثرها بين رسول الله فقال النبي له ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم و جاء عبد الرحمن بن عوف بأموال كثيرة و جاء أبو بكر الصديق بماله كله في سبيل الله فقال يا أبا بكر ما تركت لأهلك قال تركت لهم الله و رسوله ، و جاء عمر بن الخطاب بنصف ماله و تسابق الصحابة حتى من لم يجد إلا القليل التمر جاء به .
بدأ المنافقون يتعذرون بأعزار واهية و بدأ النبي صلّ الله عليه وسلم يرتب الجيش بلغ ثلاثين ألف مقاتل لأول مرة ، لم يتخلف في هذه الغزوة من أهل الإيمان إلا ثلاثة هكذا كان الجيش يتجهز لمواجهة أعظم دول هذا الزمان الرومان .
إنطلق جيش المسلمين إلى تبوك خلف النبي صلّ الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب على أهله حزن الإمام عليّ فقد كان يحب الجهاد في سبيل الله فجاء لنبي صلّ الله عليه وسلم يستأذنه أن يسير معهم فذكره النبي بقصة هارون مع موسى فقال له ألا ترضي أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و إنطلق الجيش إلى تبوك .
تسيير الجيش :-
كان العدد كبير حتى أن الثامنة عشر نفرًا يتناوبون على البعير الواحد أصابهم الجوع و أهلكهم العطش و أكلوا أوراق الأشجار حتى سمى ذلك الجيش بجيش العسرة وصل الجيش إلى ديار صالح أوقع الله عزوجل عليهم عذبًا و سخطًا و نزل فيهم لعنة من اللعائن ، دخلها الصحابة فوجدوا فيها ماء فنهاهم النبي أن يشربوا منها و قال حتى العجين الذي عجنتوه من هذا الماء فأطعموا للأبل و الدواب و لا تأكلوا منه شيئًا لأنها ديار ملعونة و قال لهم النبي صلّ الله عليه وسلم لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم و إنطلق الجيش مرة أخرى أخبر النبي الصحابة قبل أن يصلوا إلى تبوك أن فيها ماء فلا تشربوا منها غير أن إثنين سبقوا الجيش فلامهم النبي على فعلهم ، وضع النبي يده في هذه الماء و دعا الله فبارك الله الماء و سقى الجيش كله و عسكر النبي صلّ الله عليه وسلم في تبوك و خطب في الناس .
كفاية الله المؤمنين القتال :-
لما سمع جيش الرومان بجيش المسلمين دب الرعب في قلوبهم فتفرقت جيوشهم و إنسحب من كان يقف مع الرومان و فروا في الوديان و بين الشعب فهزم الروم و كفى الله المؤمنين شر القتال ، عسكر النبي صلّ الله عليه وسلم أيامًا هناك يعلمهم و يذكرهم أحكام دينهم و جاءت القرى و القبائل المحيطة برؤسائها يعلنون الردوخ لدولة الإسلام و لمن لم يدخل في الإسلام دفع الجزية .
رجع النبي صلّ الله عليه وسلم و أصحابه من تبوك منتصرين في طريق عودته إلى المدينة استغل المنافقون الفرصة و هموا أن ينالوا من النبي صلّ الله عليه وسلم فإتفقت مجموعة من المنافقين أن يأتوا للرسول فيأذوه علم بالخبر من كان يمشي مع النبي و هو حذيفة كاتب سر رسول الله فضربهم فقذف الله في قلوبهم الرعب ففروا هاربين و أتى للنبي فقال له ما حدث فحلفوا بالله أن ذلك لم يحدث ففضحهم الله عزوجل في كتابه العزيز و في طريق عودته لمدينة جاءه المنافقون يقولون له يا رسول الله بنينا مسجدًا لكي يشوقوا صف المؤمنين و فضحهم الله عزوجل و أمر النبي أصحابه أن يذهبوا للمسجد و يهدموه لأنه ما أسس على التقوى لما رجع إستقبله الناس مهللين مكبريين .
المخلفين :-
عند الرجوع لمدينة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لمسجد لإنتظار أهل الأعزار ما عزك لتخلف عن الغزوة جاء المنافقين و قد كانوا أكثر من سبعين رجلًا دخلوا المسجد يكذبون عن الرسول يختلقون الأعذار و يطلبون من النبي الإستغفار و كان يستغفر لهم و يأخذهم على ظاهرهم و لما عفا عنهم عاتبه الله جل و علا .
كان من الذين تخلفوا عن هذه الغزوة ثلاثة لم يكونوا من أهل النفاق كعب بن مالك ،هلال بن أمية ،مرارة بن الربيع ، لما دخل الناس لمسجد رسول الله يتعذرون قال لهم النبي ما الذي خلفك يا كعب قال يا رسول الله ولله لو غيرك من أهل الدنيا لعلمت أني أستطيع الكذب عليه قد اوتيت جدلًا و علمت انه لن ينجينى إلا الصدق و لكن لا عذر لي فقال له النبي و لأصحابه اما هذا فقد صدق الله قم يا كعب حتى يقضى الله فيك، يقول سيدنا كعب فسألت الناس هل فعل مثل فعلى أحد فذكروا لي رجلين صالحين هلال و مرارة و قلت أصبر حتى يقضى الله و امر النبي ألا يكلم أحمد من الناس الثلاث المخلفين قال قضيت أربعين ليلة لا يكلمنى أحد فطرق الباب علي رجل فإذا هو رسول رسول الله فقلت ما الخبر فقال إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فأرسلت امرأتي على بيت أهلها و قضينا على هذا الحال خمسين ليلة { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواحَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} سورة التوبة .
كان على سطح منزله وقت صلاة الصبح فجأة سمعت صوتًا يخرج من المسجد خرج الناس يقولون يا كعب بن مالك فعلمت أنها البشارة فخررت لله ساجدًا من شدة الفرح و قال أحدهم أبشر يا كعب بن مالك بتوبة الله عليك فلما دخلت المسجد وجدت النبي جالس و الصحابة حولة فقلت أهو من عندك يا رسول الله أم من عند الله قال بل من عند الله .