الزهد هو أحد المراتب الإيمانية العالية ؛ حيث أنه يدفع صاحبه إلى النظر بعين الزوال إلى الحياة الدنيا ، وبذلك يمضي الزاهد طالبًا رضا الله تعالى دون أي شيء آخر ؛ فهو ليس حريصًا على الدنيا بكل ما فيها من متع ، ولكن حرصه الأكبر هو النجاة في الآخرة ، و دور الزهد عظيم في حياة الناس ؛ فهو يجعل القناعة دائمًا مضيئة داخل الإنسان الزاهد ، ولكن من المفترض أن يتذكر الإنسان نصيبه الذي قسمه له الله من الدنيا ، كما قال المولى عزّ وجل ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”.
قصص عن الزهد
هناك العديد من القصص المذكورة عن الزهد والزاهدين في الحياة الدنيا ؛ حيث ارتفع المؤمنون بأنفسهم درجات عند ربهم نتيجة لزهدهم وقوة إيمانهم ، ومن هذه القصص ما يلي :
قصة التاج النفيس
ذُكر أن يزيد ابن الملهب كان قائدًا للمسلمين ، وقد حصد أموالًا كثيرة في أحد فتوحاته ، كما حصل على تاج به جواهر نفيسة ؛ فنظر لمن حوله قائلًا :أتدرون احدًا يزهد في هذا” ؛ فأجابه الحضور بقولهم :”لانعلم” ، فقال لهم :”والله إني لأعلم رجلًا لو عُرض عليه هذا وأمثاله ؛ لزهد فيه” ، وقام فيما بعد بدعوة محمد بن واسع الذي كان موجودًا في الجيش من بين المحاربين ، ثم عرض عليه أن يأخذ ذلك التاج ، ولكنه رفض قائلًا : “لا حاجة لي فيه” ، ثم عاد بن الملهب ليطلب منه أن يأخذه قائلًا : “أقسمت عليك لتأخذنه” ، ولم يجد محمد بن واسع مفرًا من أن يأخذ التاج.
وبالفعل أخذ التاج وخرج به ، ولكن يزيد بن الملهب أمر أحد الرجال بأن يتبعه ليرى ما سيفعله هذا الرجل بالتاج الذي بين يديه ، وبمراقبته رأى الرجل أنه قد مرّ بسائل في الطريق ، وحينما طلب منه أن يعطيه شيئًا ؛ لم يتردد في منحه التاج النفيس الذي كان معه ، ثم انصرف دون ندم ، وحينما علم يزيد بما حدث ؛ أرسل إلى السائل الكثير من الأموال ، ثم استعاد منه التاج.
قصة ما معك من الدنيا
ذات يوم قدم عمير بن سعد وكان أميرًا لحمص على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما ؛ فقال له عمر : ما معك من الدنيا؟” ؛ فأجابه عمير : “معي عصاي أتوكأ بها ، وأقتل بها حية إن لقيتها ، ومعي جرابي أحمل فيه طعامي ، ومعي قصعتي آكل فيها وأغسل راسي وثوبي ، ومعي مطهرتي أحمل فيها شرابي وطهوري للصلاة ، فما كان بعد هذا من الدنيا فهو تبع لما معي” ، حينها قال عمر : “صدقت رحمك الله”.
قصة جائزة الفضيل
ورد أن بعض الخلفاء كانوا يرسلون إلى الفقهاء جوائز ؛ فكانوا يقبلونها ، بينما أُرسلت جائزة مقدارها عشرة آلاف إلى الفضيل بن عياض ، ولكنه لم يقبلها ؛ فسأله بنوه :”لقد قبل الفقهاء ؛ بينما ترد أنت على حالتك هذه” ، حينها بكى الفضيل قائلًا : “أتدرون ما مثلي ومثلكم؟!.. كمثل قوم كانت لهم بقرة يحرثون عليها ؛ فلما هرمت ذبحوها لأجل أن ينتفعوا بجلدها ، كذلك أنتم أردتم ذبحي على كبر سني ، موتوا يا أهلي جوعًا خير لكم من أن تذبحوا فُضيلًا”.