يعتبر قيس بن الملوح  واحدا من أهم شعراء الغزل في عصره بل وفي كل العصور، وترجع شهرة قيس إلى بلاغة أشعاره التي كان يستلهمها من حبه الشديد لمعشوقته ليلى، وهي ابنة عمه وقد زاد حبه لها عندما رفض أهلهما  زواجهما فزاد ذلك من قوة الشعر المكتوب في ليلى من قبل قيس والذي تحاكت به العرب حتى وصل إلينا بأشهر قصة حب عرفت في الجزيرة العربية بقصة قيس وليلى.

مجنون ليلي

كان قيس بن الملوح يرعى الإبل هو وابنة عم له تدعى ليلي العامرية، وقضيا أيام صباهما في اللعب سويا ورعي الغنم والإبل حتى تعلقا ببعضهما البعض، لكن كأي شئ جميل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن كبرت ليلي وكعادة العرب منعت من الرعي مع ابن عمها وبقيت في البيت، وهنا اتقدت شرارة الحب في قلب قيس بشدة حتى سعى للزواج من ليلي، لكن عمه رفض ههذه الزيجة قيل بسبب الشعر الذي قاله قيس في ليلي لأنه من عادة العرب لا يزوجون من قال الشعر في محبوبته، وقيل أنه رفض زواجهم بسبب خلاف بينه وبين أخيه والد قيس على الميراث.

ولكي يتخلص العم من إصرار قيس طلب منه مهر تعجيزي حيث طلب منه إحضار مائة من النوق الحمر كمهر ليلي، وبالفعل سافر قيس لإحضار المهر وعند مغادرته قام والد ليلي وأخيها بتزويجها من رجل يدعى ورد، وعند عودة قيس صدم من زواج ليلي وهام في الصحاري ينشد فيها شعر من أجمل أشعار الحب التي بقيت خالدة إلي يومنا هذا.

ومن شدة حب قيس لليلي لقب بمجنون ليلي فخاف عليه والده فأخذه معه إلى الحج وطلب منه أن يدعو الله أن عافيه من حب ليلي، لكن قيس فور وصوله للكعبة المشرفة تعلق بأستارها ودعا الله أن يزيد حب ليلي في قلبه، ومما روي عنه من شدة هيامه بليلي أنه مر بقوم يصلون فلم يصل معهم فعاتبوه أنه لم يصل معهم، فقال لهم أنه لم يرهم فتعجبوا من أمره فرد عليهم قيس لو كنت تحبون الله كما أحب ليلي لما رأيتموني وأنتم واقفون بين يديه.

كانت أم قيس تترك له الأكل في الصحراء ثم تذهب في اليوم الثاني فلا تجد الطعام فتطمأن عليه، وفي يوم من الأيام تركت له الطعام لكنها عادة في اليوم التالي فوجدته كما هو فعلمت أن مكروها أصابه، فطلبت من شباب القبيلة أن يبحثوا عنه فوجدوه ميتا في الصحراء.

أشهر ما قال قيس بن الملوح

تذكرت ليلى والسنين الخواليا     وأيام لا اعدي على الدهر عاديا

اعــــــــد الليالي ليلة بعد ليلة     وقد عشت دهرا لا أعـــد اللياليا

أمــــر على الديار ديار ليلي     اقبل ذا الجـــدار وذا الجــــــدار

ومما قال ايضا في عشق ليلى :

ألست وعدتني ياقلب اني      إذا ما تبت عن ليلى تتوب

فها انا تائب عن حب ليلى    فما لك كما ذكرت تذوب

وقال :

تَدَاوَيْتُ مِنْ لَيْلَى بِلَيْلَى عَن الْهَوى       كمَا يَتَدَاوَى شَارِبُ الخَمْرِ بِالْخَمْرِ

ألا يا طبيب الجن ويحك دواني         فإن طبيب الإنس أعياه دائيا.

ومن يطع الواشين لا يتركوا له         صديقا وإن كان الحبيب المقربا.

احبك يا ليلى على غير ريبة            و ما خير حب لا تعف ضمائره.

إذا كان قُرب الدار يورث حسرةً      فلا خير للصب المُتيم في القرب.

البين يؤلمني، و الشوق يجرحني     و الدار نازحة و الشمل منشعب

وقال :

وإني لاخشى أن أموت فجأة    وفي النفس حاجات إليك كما هي

وقال :

“فبُعد ووجد و اشتياق و رجفة         فلا أنت تُدنيني و لا أنا أقرب
كعصفورة في كف طفل يزمها       تذوق حياض الموت و الطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يرق لما بها       و لا الطير ذو ريش يطير فيذهب

وقال :

فَأَشهَدُ عِندَ اللَهِ أَنّي أُحِبُّها
فَهَذا لَها عِندي فَما عِندَها لِيا
قَضى اللَهُ بِالمَعروفِ مِنها لِغَيرِنا
وَبِالشَوقِ مِنّي وَالغَرامِ قَضى لَيا
وَإِنَّ الَّذي أَمَّلتُ يا أُمَّ مالِكٍ
أَشابَ فُوَيدي وَاِستَهامَ فُؤادَيا
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ
وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني
أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها
وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها
أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا

وقال :

يارب لا تسليني حبها أبدا    ويرحم الله عبدا قال امينا

وقال :

ما بال قلبك يامجنون قد هلع في حب من لاترى في نيله طمعا

الحب والود نيطا بالفؤاد لها فاصبحا في فؤادي ثابتين معا

طوبى لمن انت في الدنيا قرينته لقد نفى الله عنه الهم والجزع

بل ما قرأت كتابا منك يبلغني إلا ترقرق ماء العين أو دمعا

ادعو إلى هجرها قلبي فيتبعني حتى إذا قلت هذا صادق ، نزعا

لا أستطيع نزوعا عن مودتها أو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا

وزادني كلفا في الحب أن منعت أحب شيء إلى الإنسان ما منعا

وقال في الرد عن ليلى :

يقول لي الواشون ليلى قصيرة .. فليت ذراعا عرض ليلى وطولها وإن بعينيها لعمرك شهلة .. فَقُلْتُ كِرَامُ الطَّيْر شُهْلٌ عُيونُها وجَاحِظَة ٌفوْهاءُ، لاَبَأسَ إنَّها .. منى كبدي بل كل نفسي وسولها فَدُقَّ صِلاَبَ الصَّخْرِ رأسَكَ سَرْمَدا .. فإني إلى حين الممات خليلها.

وفي دفاعه عن الحب :

وقد زعموا أنّ المحبّ إذا دنا .. يَملُّ وَأنَّ النَّأْيَ يَشْفِي مِنَ الْوَجْدِ ، بَكُلٍّ تدَاوَيْنَا فلمْ يُشْفَ ما بِنَا .. على أنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ.

وقال :

ولما تلاقينا على سفح رامة .. وجدتُ بنان العامرية أحمرا فقلت خضبت الكف بعد فراقنا؟ فقالت معاذ الله ذلك ما جرا ولكنني لما رأيتك راحلاً .. بكيت دماً حتى بللت به الثرا مسحت بأطراف البنان مدامعي .. فصار خضاباً بالأكف كما ترا.

وقال :

ألاَ يا نَسيمَ الرِّيحِ لو أَنَّ واحِداً .. من الناس يبليه الهوى لبليت فلو خلط السم الزعاف بريقها .. تَمَصَّصتُ مِنْهُ نَهْلَة ً وَرَوِيتُ.

وقال :

متى يُشفى منكِ الفؤاد المُعذَّب .. وسهم المنايا مِن وصالِكِ أقربُ ‏فبُعدٌ ووحدةٌ واشتياقٌ ورَجفةٌ .. ‏فلا أنتِ تدنيني ولا أنا اقرب