تعد قصة حب قيس بن الملوح ابنة عمه ليلى من أشهر قصص الحب في الأدب العربي، على الرغم من قناعة الكثيرين بأن شخصية قيس وهمية ولا وجود حقيقي لها، وأن كل الأشعار والروايات تعود إلى شاب من أمية أحب ابنة عمه ولم يتزوجها، وعلى الرغم من وجود الكثير من المجانين في التاريخ الأدبي والسياسي للعرب، إلا أن قيس ابن الملوح هو الوحيد الذي لقب بالمجنون وفيما يلي نبذة مختصرة عن الشاعر المجنون وأهم أشعاره.
نبذة عن قيس بن الملوح :
هو قيس بن الملوح بن مزاحم العامري ينتمي إلى قبيلة بني عامر القيسية العدنانية والتي كانت تسكن مدينة نجد، ولا توجد دلائل مؤكدة حول تاريخ ميلاده بالضبط ولكن بعض الروايات ذكرت أنه ولد في أربعمائة وأربعين ميلادياً، وكان قيس يشتهر برجاحة عقله وتفكيره المستقل وكان سخياً وجميل الوجه وكان شخصاً جذاباً طويل القامة وأبيض البشرة أجعد الشعر .
كان قيس متيماً بحب ليلى إبنة عمه والتي نشأ معها وشاركته طفولته وشبابه، وكان يقضي معظم وقته معاها في ديار قبيلة عامر، وكانت ليلى محبوبته تلقب بأم عامر وهي ليلى بنت مهدي بن سعد بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر .
ولكن الأيام سرعان ما تتغير وتنقلب فبعدما كبرت ليلى منعها والدها من الخروج ورؤية قيس، وكانت هذه الفاجعة التي قلبت حياته رأساً على عقب فهام على وجهه في الصحراء ينظم ويروي الشعر بين قبائل الحجاز والشام ونجد، وعندما سمع عمه والد ليلى بما فعله قيس فعزم على زواجها بغيره وحرمه منها للأبد لأنه ذكرها في شعره بين القبائل وعلى ألسنة الناس .
الأثر الأدبي لابن الملوح :
يعد الديوان الشعري الذي دونه قيس في حب ليلى منارة الساحة الأدبية في شعر الغزل والأدب العربي، وقد ترك شعره أثراً كبيراً في الأدب الفارسي وبشكل خاص على الشعر النظامي الفارسي، وبدأ ذلك في كتابة الكنوز الخمس وفيما يلي أبياته الشعرية في عشق ليلى :
– تذكّرتُ ليلى والسِّنين الخواليا وأيام لا أعدي على الدهر عاديا أَعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ وقد عشتُ دَهراً لا أعدُّ اللياليا
– وقال أيضاً : عشقتك يا ليلى وأنتِ صغيرةٌ وأنا ابن سبعٍ ما بلغت الثّمانيا، يقولون ليلى في العراق مريضةٌ ألا ليتني كنتُ الطّبيبَ المُداوِيا، وقالوا عنك سوداء حبشيّةٌ ولولا سوادُ المسك ما انباع غاليا.
– وقال أيضاُ : بلّغوها إذا أتيتم حِماها أنّني متُّ في الغرام فِداها، واذكروني لها بكلِّ جميلٍ فعساها تَحنُّ عليَّ عساها، واصحبوها لتُربَتي فعظامي تشتهي أن تدوسَها قدماها، إنّ روحي من الضّريح تُناجيها، وعيني تسير إثرَ خُطاها لم يُشقِني يومَ القيامة، لولا أملي أنّني هُناك أراها موت قيس بن الملوح .
هناك رواية تحكي أن شيخاً سمع عن المعشوق المجنون وأراد مقابلته فبحث عنه في الصحراء ، ووجده بعد بحثاً طويلاً جالساً في صحراء الحجاز على الرمال يخط عليها بأصبعه، وعندما رآه فر منه وهرب لكن الشيخ تركه، وجلس بالقرب منه حتى هدأ تماماً وسكن، فبدأ الشيخ فيسرد بعض الأبيات الشعرية للشاعر العربي قيس بن ذريح وكانت هذه الأبيات هي :ألا ياغُراب البَين ويحك نبني … بعلمك في لبنى وأنت خبير ،، فإن أنت لم تُخبر بشيءٍ علمتَهُ … فلا طرت إلا والجناح كسير .
وعندما سمع قيس هذه الكلمات تؤثر كثيرا وبدأ عيناها تمتلئ بالدموع واقترب من الشيخ وقال له ناشدا: “لقد أحسن والله ذلك الشاعر، ولكني قلت شعراً أحسن منه، ثم أنشد: كَأَنَّ القَلبَ لَيلَةَ قيلَ يُغدى بِلَيلى العامِرِيَّةِ … أَو يُراحُ قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَباتَت تُجاذِبُهُ .. وَقَد عَلِقَ الجَناحُ .
فرد الشيخ عليه بشعراً آخر لابن ذريح قائلاً : وإنّي لمُفني دمع عينيَّ بالبُكا ذارا لما قد كان أو هو كائنُ، وما كنتُ أخشى أن تكون مَنيّتي بكَفَّيكَ إلا أن من حان حائن، وبعد أن قال الشيخ هذه الكلمات رأى قيساً قد وقع في حزنٌ شديد، وشَهَق شهقةً ظنّه الشيخُ أنّ روحَه ستُفارِقُه، ثم بكى حتّى بلّل الرّمالَ التي كان يقبض عليها بيديه وقال :
ولكنّي قلتُ شِعراً أحسنَ منه أنشد : وأَدْنَيْتِنِي حتَّى إِذا ما سَبَيْتِني بقَوْلٍ يُحِلُّ العُصْمَ سَهْلَ الأَباطِحِ تَجافَيْتِ عَنِّي حِينَ لا لِيَ حِيلَةٌ وخَلَّيْتِ ما خَلَّيْتِ بَيْنَ الجَوانحِ بعد أن أنهى قصيدَته .