في فترة من الماضي السحيق بالعاصمة الروسية موسكو، كنت أراسل احدى الفتيات الجميلات عبر البريد ترويجا عن النفس واستعطافا لعلاقات رمزية مع طبقة النبلاء فيما بعد، ربما أحصل من ورائها على عمل يقيني شر المبيت خارجا أمام وحش برد روسيا المهول وصقيع عاصمتها المستمر بدون انقطاع.

مراقبة الفتاة

كان اسم الشابة إيلينا كاميلوفيتش، الابنة البكر لأحد الضباط السامين السوفيات، التقيتها بادىء ذي أمر صدفة بأحد الحانات المجاورة، رغم عدم السماح للزنوج أمثالي بدخول تلك الأماكن الخاصة بالسكان المحليين، لكن لسبب لا أعرفه و فقط أحسسته، انتظرتها طويلا وأنا أتجمد بردا بحذاء جلدي خسيس بدون جوارب، ومعطف بال كنت قد وجدته مهملا بإحدى الكنائس أثناء تأديتي لقداس الأحد، كنت أراقبها عن بعد عبر بإحدى نوافذ الحانة، وآرى مظهر الارادة المتسلطة، والثقة بالنفس، وانطلاق الحركات على كبرياء وخيلاء. همت أخيرا بالخروج من الحانة رفقة صديقتيها بعد أن فرغوا من ابتلاع كؤوس الفودكا المحلية الممزوجة بالكونياك، فمررت مسرعا بجانبها بعد أن دسست عنواني في ورقة تبغ رخيص بجيب معطفها وانصرفت فارا كالجبان ولم أعتقد يوما ما أنها ستراسلني بعد تلك الحادثة.

حديث الفتاة عن حبيبها

كانت تحكي لي إيلينا طيلة شهور في مجمل رسائلها عما تقوم به من أشغال، وما تمارسه من أعمال في حياتها اليومية، يتخلل كتاباتها أحيانا بوح صريح وثقة وطيدة وهي تحكي لي عن مغامراتها مع حبيبها الضابط الوسيم بأحدى كتيبات المشاة الروسية، ورغم أنها لا تلتقيه إلا لماما بعد أسابيع وأشهر من الانتظار، لكنها دائما ما كانت تصف لي حبهما وتبالغ في وصف إحساسها نحوه، لأشعر في المقابل أثناء قرائتي لحروفها أنني المقصود بكلماتها، لست أدري كيف ولماذا كان ينتابني ذلك، كان عزف تلك الكلمات مع الأحرف يشكل نوطة موسيقية عذبة تسري في شريان القلب، لترقص معها جميع الأعضاء الأحيوية بجسمي، لحظات قليلة وثواني معدودة ثم أتذكر أنها ليست ولن تكون ملكا لي يوما، فكيف لشابة من أصل نبيل وذات عينين زرقاوين رماديتين وفاتنتين، تتسقان اتساقا تاما مع لونها البارد والضارب الى البياض قليلا، أن تحب شخصا أسود البشرة مثلي، زنجيا كما يحلو لهم أن يسموه في مجالسهم المخملية.

موعد اللقاء

كانت آخر رسائل إيلينا كاميلوفيتش تخبرني فيها أنها قادمة للعاصمة موسكو في آخر يوم من شهر كانون الأول المقبل، قصد حضور أحد الإحتفالات الوطنية المقامة رفقة أبيها وعائلتها الصغيرة، وأصرت في آخر جمل رسالتها أنها تود ان تلتقيني قرب الكاتدرائية الرئيسية بالعاصمة في تمام منتصف نهار ذاك اليوم. سررت بالخبر كثيرا وفرحت فرح صبي صغير لسبب مجهول، لكن سرعان ما تبدد فرحي كتبدد غيمة سوداء وسط شمس ساطعة، وأنا أفكر كيف سألتقيها بملابسي الوضيعة هذه، وبدون هدية تليق بشابة حسناء مثلها، لم يجافيني النوم بعدها لعدة أيام وأسابيع وأنا أترقب يوم لقائنا الموعود، ولم أجد مع مرور الوقت حلا آخر سوى التفكير بإهدائها كتابين رثين هما روايتين رائعتين لأحد الكتاب الروس الحكيمين واسمه تشيخوف، في الأصل كنت قد سرقتهما من احدى الكنائس القريبة ذات يوم أحد في غفلة من الكاهن، هما كل ما أملك الآن على كل حال وأظن أن الرب سيسامحني على فعلتي هذه.

تبدد الحلم

حل اليوم الموعود وذهبت قبل الموعد بساعتين تقريبا، رغم أن الجو بارد كالعادة الا أن دفىء التفكير في إلينا أنساني صقيعه وأنساني الاحساس بأصابعي المتجمدة وأنا احمل الكتابين كهدية، بعد أن غلفتهما باحدى أوراق الجرائد، وقطفت في طريقي وردة زهرية اللون من احدى البساتين. وصل منتصف النهار ولازلت مكاني أراقب مجيئها بين المارة بعينين جاحضتين تشعان شوقا وبهجة وجوعا وحبا في الوقت نفسه، مرت دقائق فعشرات منها ومرت 5 ساعات اخرى ولم تأت إيلينا، فرجعت الهوينى مطأطأ الرأس كعبد ينقاذ لسوق نخاسته، كان ينتابني شعور مخزي بنفسي، أحسست بحقارة جنسي كمهاجر إفريقي، أسود اللون و غير مرحب به، مجرد حلم رجل مضحك ومهرج لشعوره، يعربد لأحساسه بالارتياب الدائم، ويا ليتني كنت من اصحاب نفود ارستقراطي أبيض البشرة كهؤلاء، يراني الناس مثلهم وأستطيع أن اكون واثقا من ان كل واحد منهم سيعدني على الفور خير انسان، لأصبحت عندئذ رجلا من أنبل الرجال، ولكانت إيلينا كاميلوفيتش أتت لتراني، ولربما كانت لتحبني يوما ما !

حبيبتي الوهمية بقلم محمد المرابط