ابن العميد هو الملقب بأبي الفضل وهو محمدٌ بنُ العميد بن أبي عبد الله الحسين بن محمد الكاتب، وهو من العلماء الذين كرسوا حياتهم لطلب العلم، ودراسة كل المجالات من شعر وفيزياء وأدب وفلسفة، فعمل في العديد من المناصب الكبيرة، وفي هذا المقال نتعرف سويا عن الشاعر ابن العميد وعن حياته وأعماله.

حياة ابن العميد العلميّة والعمليّة

ولد ابن العميد في سامراء، ونشأ في بيئة يسودها العلم، فقام بالدراسة على يد العديد من شيوخ بلده، فكانت اهتماماته تذهب إلى العلوم التاريخية والأدب والفلسفة، فدرسها وأتقنها، ثم دعاه ركن الدولة بن بوية من أجل تولي منصب الوزير، وبعدها تولى قيادة الجيش المتوجه إلى نواحي الدينور، من أجل قتال حشنوية بن الحسن الكردي، إلا أنه تعب في الطريق فلم يستطع إكمال مهمته.

صفات ابن العميد وأسلوبه

كان ابن العميد من الشعراء المتميزين في الكتابة والترسل، لذلك أطلق عليه لقب الأستاذ، كما لقب أيضا بالجاحظ الثاني، وذلك لشدة براعته، وحسن إتقانه استخدام أساليب الكتابة، فتميز في النثر، وحسن الترسل، والبلاغة، فعرف أنه كان ينتقي ألفاظه وكلماته، ومعانيه بدقة، حتى تكون سلسه على القارئ، فقال عنه الثعالبي “بُدِئت الكتابة بعبد الحميد، وخُتِمت بابن العميد”، وهذا يدل على المدى الذي وصل له من مكانه أدبية.

مُؤلَّفات ابن العميد

وضعَ ابنُ العميد قبلَ وفاتِه العديدَ من المُؤلَّفات، وفيما يلي ذِكرٌ لأهمِّها:

1- كتابُ المُذهَّب في البلاغات.

2- ديوانُ الرسائل.

3- ديوانٌ في اللغة، والتاريخ.

4- كتابُ الخَلق والخُلق.

نماذج من نثره وشعره

من كتابه إلى ابن بلكا عند استعصائه على ركن الدولة

كتابي وأنا مترجحٌ بين طمع فيك، وإياسٍ منك، وإقبالٍ عليك، وإعراضٍ عنك؛ فإنك تدلي بسابق حرمة، وتمت بسالف خدمة؛ أيسرها يوجب رعاية، ويقتضي محافظةً وعناية؛ ثم تشفعهما بحادث غلولٍ وخيانة، وتتبعهما بآنف خلافٍ ومعصية؛ وأدنى ذلك يحبط أعمالك، ويمحق كل ما يرعى لك؛ لا جرم أني وقفت بين ميلٍ إليك، وميلٍ عليك؛ أقدم رجلاً لصمدك، وأؤخر أخرى عن قصدك؛ وأبسط يداً لاصطلامك واحتياجك، وأثني ثانيةً نحو استبقائك واستصلاحك؛ وأتوقف عن امتثال بعض المأمور فيك ضناً بالنعمة عندك، ومنافسةً في الصنيعة لديك؛ وتأميلاً لفيئتك وانصرافك، ورجاءً لمراجعتك وانعطافك؛ فقد يعزب العقل ثم يؤوب، ويغرب اللب ثم يثوب، ويذهب العزم ثم يعود، ويفسد الحزم ثم يصلح، ويضاع الرأي ثم يستدرك، ويسكر المرء ثم يصحو، ويكدر الماء ثم يصفو.

وزعمت أنك في طرفٍ من الطاعة بعد أن كنت متوسطها، وإن كنت كذلك فقد عرفت حالتها، وحلبت شطريها، فناشدتك الله لما صدقت عما أسألك: كيف وجدت ما زلت عنه، وتجد ما صرت إليه؟ ألم تكن من الأول في ظل ظليل، ونسيمٍ عليل، وريحٍ بليل؛ وهواءٍ ندي، وماءٍ روي، ومهادٍ وطي؛ وكن كنين، ومكانٍ مكين، وحصنٍ حصين؛ يقيك المتالف، ويؤمنك المخاوف؛ ويكنفك من نوائب الزمان، ويحفظك من طوارق الحدثان؛ عززت به بعد الذلة، وكثرت بعد القلة؛ وارتفعت بعد الضعة، وأيسرت بعد العسر، وأثريت بعد المتربة، واتسعت بعد الضيق، وأطافت بك الولايات، وخففت فوقك الرايات؛ ووطئ عقبك الرجال، وتعلقت بك الآمال؛ وصرت تكاثر ويكاثر بك، وتشير ويشار إليك؛ ويذكر على المنابر اسمك، وفي المحاضر ذكرك؛ ففيم أنت الآن في الأمر؟ وما العوض مما ذكرت وعددت، والخلف عمّا وصفت؟ وما استفدت حين أخرجت من الطاعة نفسك، ونفضت منها كفك، وغمست في خلافها يدك؟ وما الذي أظلك بعد انحسار ظلها عنك؟ أظل ذو ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب؟ قل: نعم، فذاك واللّه أكنف ظلالك في العاجلة، وأروحها في الآجلة؛ إن أقمت على المحادة والعنود، ووقفت على المشاقة والجحود.

تأمل حالك وقد بلغت هذا الفصل من كلامي فستنكرها، والمس جسدك فانظر هل يحس، واحسس عرقك هل ينبض، وفتش ما حني عليه أضلاعك هل تجد في عرضها قلبك؟ وهل حلا بصدرك أن تظفر بفوتٍ مزيج أو موت مريح؟ ثم قس غائب أمرك بشاهده، وآخر شأنك بأوله.

2- من جيد شعره قوله لبعض أخوانة

قد ذبت غير حشاشة وذماءِ ما بين حر الهوى وحر هواءِ

لا استفيق من الغرام ، ولا أُري خلواً من الأشجان والبُرَحاءِ

وصروف أيامي أقمن قيامي بنوى الخليط وفُرقة القُرناءِ

وجفاء خِل كنت أحسب أنه عوني على السراء والضراءِ

أبكي ويضحكه الفراق ولن ترى عجباً كحاضر ضحكه وبكائي

من يشف من داء بآخر مثله أثرت جوانحه من الأدواءِ

لا تغتنم إغضاءتي فلعلها كالعين تغمضها على الأقذاءِ

واستبق بعض حشاشتي فلعلني يوما أقيك بها من الأسواءِ

فلئن أرحت إليّ عازب بلوتي ووجدت في نفسي نسيم هواءِ

لأجهّزنّ إليك قبح تشكر ولأنثرنّ عليك سوء ثناءِ

ولأعضلنّ مودتي من بعدها حتّى أزوجها من الأكفاءِ