عد محمود سامي البارودي من أوائل الشعراء في عصر النهضة الأدبية الحديثة الذين عنوا بالحكمة في شعرهم وأفردوا لها قصائد مشهرة تروى وهذا نتيجة لتأثره بشعراء العصر العباسي ، وهو محمود سامي البارودي بن حسن حسني من رواد النهضة الشعرية الحديثة والإحيائي الأول للشعر العربي وشاعر السيف والقلم .
نشأة محمود سامي البارودي
ولد عام 1255هـ الموافق 1839م لأبوين من الشراكسة ببلدة إيتاي البارودي بمحافظة البحيرة وكان ينتمي لعائلة ناورزقوه وكان أجداده يرقون بنسبهم إلى سلاطين محمد الشراكسة ، ولذا كان محمود سامي البارودي شديد الاعتداد بهذا النسب في شعره وكل أعماله ، فكان له أثر قوي في جميع أدوار حياته وفي المصير الذي انتهى إليه ، كان أجداده ملتزمي إقطاعية إيتاي البارودي وكانوا مكلفين بجمع الضرائب من الأهالي ، فهو نشأ في أسرة على شيء من السلطة والثراء وكان والده ضابطًا في الجيش المصري ثم عُين كمدير لدائرتي بربر ودنقلة في السودان ومات هناك ومحمود سامي البارودي في عمر السبع سنوات .
دراسة محمود سامي البارودي
تعلم القراءة والكتابة في مقتبل عمره وحفظ القرآن الكريم كاملًا ثم تعلم مبادئ علمي النحو والصرف ودرس الحساب والفقه والتاريخ ونال شهادة الابتدائية عام 1267هـ الموافق عام 1851م من مدرسة المبتديان للأسر المرموقة ، وجلبت والدته له أيضًا المعلمين في المنزل ، وفي عمر 12 عام التحق محمود سامي البارودي بالمدرسة الحربية ، وانتظم في تعليم ودراسة فنون الحرب والقتال ، وبجانب ذلك تعلم علوم الدين والحساب واللغة وبدأ في قول الشعر حتى تخرج من المدرسة الحربية برتبة باشجاويش والتحق بالجيش العثماني ولم يستطع محمود سامي البارودي إكمال دراسته .
الحياة العملية لمحمود سامي البارودي
عمل محمود سامي البارودي في وزارة الخارجية وسافر إلى الأستانة في العام 1857م ، وهنالك تمكن من اتقان اللغة التركية وكذلك اللغة الفارسية وطالع الآداب الخاصة بتلك اللغتين وحفظ الكثير من الأشعار ، وعمل في وزارة الخارجية التركية حوالي 7 سنوات ، وأحلقه الخديوي إسماعيل بعد ذلك بحاشيته فعاد إلى القاهرة عام 1863م ، ولكنه ضاق بالعمل الديواني فعينه الخديوي إسماعيل عام 1863م في الجيش برتبة بكباشي وأثبت كفاءة كبيرة في عمله واشترك في الحملات العثمانية في جزيرة كريت وبعد الحرب رجع إلى منصبه مرة أخرى وظل فيه نحو 8 سنوات وتم تعينه في عهد الخديوي توفيق كبيرًا لياوران ومكث فيه عامين ونصف العام ، ثم ترك القصر وعاد للجيش .
كان البارودي ضمن الحملة العثمانية ضد روسيا ولما عاد من الحملة نال رتبة لواء ، وحصل على نيشان الشرف وتم تعينه بعد ذلك محافظًا لمحافظة الشرقية سم أصبح محافظًا للقاهرة وكانت القاهرة تمر بفترة حرجة جدًا من التدخل الأجنبي والديون وبعد إدخال وزيرين مصريين في الحكومة المصرية عمل محمود سامي البارودي في نظارة شريف باشا كان ناظرًا للداخلية ، بعد ذلك تم كشف مؤامرة لاغتياله وتم تشكيل محاكمة لهم وتجريدهم من رتبهم العسكرية ولما رفع الأمر للخديوي توفيق رفض التصديق عليه فغضب البارودي ، وتجمع مع باقي الوزراء لضرورة خلع الخديوي توفيق وانتهزت فرنسا وانجلترا الخلاف وجاء الأسطول لحماية الأجانب عام 1882م وتم نفي محمود سامي البارودي .
ذهب إلى المنفى في كولومبو عاصمة سيريلانكا ومكث هناك 17 عام عاني من الوحدة والعزلة والغربة ، ولكنه تعلم اللغة الانجليزية وعلم أهل الجزيرة اللغة العربية وعلمهم أصول الدين الإسلامي ، وكان يعتلي المنابر ليعلم أهل الجزيرة الدين ، وكانت له قصائد خالدة .
وفاته
لما عاد للقاهرة من المنفى ترك العمل السياسي وفتح منزله للشعراء والأدباء على رأسهم حافظ إبراهيم وأحمد شوقي وإسماعيل صبري وغيرهم وأسسوا مدرسة النهضة أو المعروفة بمدرسة الإحياء وتوفي عام 1904م .
دوره وأثره في الشعر العربي
يعتبر محمود سامي البارودي من رواد التجديد في الشعر العربي الحديث والذي أحيى الشعر العربي بعد ما فقد الإبداع والابتكار في العصرين المملوكي والعثماني ، فأعاد إليه جماله وطراوته السابقين ، وهذا لأنه خضع في طفولته لتعاليم دينية وقرآنية ، فكان محمود سامي البارودي يرى أن من واجب الشعر التهذيب الأخلاقي للإنسان والاجتماع .
لذا حاول البارودي من خلال أشعاره أن ينشر بين الناس أصول العقائد وفروعها ، والقيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية ، مثل حفظ السر والوفاء بالعهد والزهد والتقوى والتوبة والشجاعة والكرم والجود وغيرها الكثير ، فمثلًا نراه يقدم الوصايا الإرشادية في قالب الحكمة وكذلك العبارات القرآنية ، كان يوظف أسلوب الشرط ليقنع القارئ بصحة الأفكار والمعاني التي عبر عنها في سياق الموعظة والحكمة ثم يستخدم أسلوب الطلب لتثبيت المعنى .