الشعراء العرب يمتعونا دائما بشعر عذب ويخلدوا أسمائهم بشعرهم وقصائدهم الرقيقة التي تظل معانا مكتوبة ومسموعة وفيها من أصبح أغنية وموال ، اليوم معنا واحد من هؤلاء الشعراء العباقرة في عالم الشعر العربي هو الشاعر الشركسي والمولد في مصر هو الشاعر محمود سامي بن حسن حسني بن عبد الله البارودي المصري وشهرته محمود سامي البارودي ، لقب برب السيف والقلم لقوته في المجالين العسكري والأدبي ، فكان عمله في السلك العسكري أحد زعماء الثورة العرابية وكان له مناصب رفيعة في الدولة المصرية مثل وزير الحربية ورئيس الوزراء باختيار من الثوار ، وكان قد تأثر بشكل كبير بالأدب العربي وخاصة بشعر المجدين وتأثر بشعرائهم أمثال البحتري والمتنبي وغيرهم لذلك لقب في وقتها بلقب رب السيف والقلم ، تعالوا بنا نخوض رحلة رائعة نحو شعر هذا الشاعر العبقري خلال السطور التالية.
في الحب كانت له قصائد رائعة ومنها
هَـلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أو رَاقِي ؟ يَـشْـفِـي عَـلِيلاً أخا حُزْنٍ وإيراقِ
قَـدْ كان أَبْقَى الهوى مِنْ مُهجَتي رَمَقًا حَتَّى جرى البَيْنُ ، فاستولى على الباقي
حُـزْنٌ بَرَانِي ، وأشواقٌ رَعَتْ كبدي يـا ويـحَ نـفسي مِنْ حُزْنٍ iiوأشْوَاقِ
أُكَـلِّـفُ الـنَفْسَ صَبْراً وهي جَازِعَةٌ والـصـبرُ في الحُبِّ أعيا كُلَّ iiمُشتاقِ
لافـي (( سرنديبَ )) لِي خِلٌ ألُوذُ بِهِ وَلَا أَنِـيـسٌ سِـوى هَمي وإطراقِي
أبِـيـتُ أرعـى نـجوم الليلِ مُرْتَفِقًا فـي قُـنَّـةٍ عَـزَّ مَرْقاها على الراقي
تَـقَـلَّدَتْ من جُمانِ الشُهبِ مِنْطَقةً مَـعـقُـودةً بِـوِشَـاحٍ غَيرِ مِقْلاقِ
كـأن نَـجْـمَ الثريا وهو مُضْطَرِبٌ دُونَ الـهِـلالِ سِـراجٌ لاحَ في طاقِ
يا (( روضة النيلِ )) ! لا مَسَّتْكِ iiبَائِقَةٌ ولا عَـدَتْـكِ سَـمَـاءٌ ذَاتُ iiأَغْدَاقِ
ولا بَـرِحْـتِ مِـنً الأوراقِ في حُلَلٍ مِـنْ سُـنْـدُسٍ عَبْقَرِيِّ الوَشْيِ بَرَّاقِ
يـا حـبـذا نَـسَمٌ مِنْ جَوِّهَا عَبِقٌ يَـسـرِي عـلى جَدْوَلٍ بالماءِ دَقَّاقِ
بـل حَـبَّـذا دَوْحَةٌ تَدْعُو الهدِيلَ بِها عِـنـدَ الـصَّـبَاحِ قَمَارِيٌ بأطواقِ
مَرْعى جِيادي ، ومَأوَى جِيرتي ، وحِمى قَـومـي ، وَمَـنْـبِتُ آدابي وأعراقي
أصـبـو إلـيها على بُعْدٍ ، ويُعجبني أنـي أعِـيـشُ بِـها في ثَوْبِ إملاقِ
وكـيـفَ أنسى دياراً قَدْ تَرَكْتُ بِها أهـلاً كِـراماً لَهُمْ وُدِي وإشفاقي ؟
إذا تَـذَكَّـرْتُ أيـامـاً بِهِم سَلَفَتْ تَـحَـدَّرَتْ بِـغُـرُوبِ الدمع iiآماقي
فَـيَـا بَـرِيدَ الصَّبا بَلِّغْ ذَوِي رَحِمِي أنـي مُـقـيـمٌ عَلَى عَهْدي ومِيثاقي
وإن مَرَرْتَ عَلَى (( المِقْياسِ )) فَاهدِ iiلَهُ مِـنـي تـحـيـةَ نَفسٍ ذاتِ أعلاقِ
وَأَنـتَ يـا طـائـراً يبكي على فَنَنٍ نـفـسي فِدَاؤُكَ مِنْ سَاقٍ على سَاقِ
أَذْكَـرْتَـني مَا مَضى وَالشَمْلُ مُجتَمِعٌ بِـمِصْرً والحربُ لم تنهض على ساقِ
أيـامَ أسـحـبُ أذيال الصِبا مَرِحاً فِـي فِـتْـيـةٍ لِـطَرِيقِ الخير سُبَّاقِ
فَـيَـالَـهـا ذُكْرَةً ! شَبَّ الغَرَامُ بِها نَـاراً سَـرَتْ بَـيْنَ أرداني وأَطْوَاقي
عَـصْرٌ تَوَلَّى ، وأبْقَى فِي الفُؤَادِ هَوى يَـكَـادُ يَـشْـمَلُ أحشائي بإحراقِ
وَالـمـرْءُ طَـوْعُ الـليالي في تَصَرُّفِها لا يـمـلـكُ الأمرَ مِنْ نُجْحٍ وإخفاقِ
عَـلَـيَّ شَـيْمُ الغَوَادي كلما بَرَقَتْ وَمَـا عَـلَـيَّ إذا ضَـنَّـتْ بِرقْراقِ
فـلا يَـعِـبْني حَسُودٌ أنْ جَرى قَدَرٌ فَـلَـيْـسَ لـي غَيْرُ ما يقضيهِ خَلَّاقي
أسـلـمْتُ نفسي لمولًى لا يَخِيبُ iiلهُ راجٍ عَـلَى الدَهْرِ ، والمولى هُو iiالواقي
وَهَـوَّنَ الـخـطبَ عِندِي أنني iiرَجُلٌ لاقٍ مِـنَ الـدهرِ مَا كُلُّ امرِئٍ iiلاقي
يـا قَـلْـبُ صَـبْراً جمِيلاً ، إنهُ iiقَدَرٌ يـجـري عـلى المرءِ مِنْ أَسْرٍ وإطلاقِ
لابُـدَّ لِـلـضيقِ بَعْدَ اليأسِ مِنْ فَرَجٍ وَكُـلُّ داجِـيَـةٍ يـومـاً لإشـراقِ
وفي مناجاة الله قال قصيدة فيها قال
إِلَى اللهِ أَشْكُو طُولَ لَيْلِـي وَجَـارَةً
تَبِيتُ إِلَى وَقْتِ الصَّـبَاحِ بِإِعْـوَالِ
لَهَـا صِبْيَـةٌ لا بَـارَكَ اللهُ فِيهِـمُ
قِبَاحُ النَّوَاصِي لا يَنَمْنَ عَلَى حَـالِ
صَوَارِخُ لا يَهْـدَأْنَ إِلا مَعَ الضُّحَـا
مِنَ الشَّرِّ فِي بَيْتٍ مِنَ الْخَيْرِ مِمْحَالِ
تَرَى بَيْنَهُـمْ يَا فَـرَّقَ اللهُ بَيْنَهُـمْ
لَهِيبَ صِيَاحٍ يَصْعَدُ الْفَلَكَ الْعَالِـي
كَأَنَّهُـمُ مِمَّـا تَنَازَعْـنَ أَكْلُـبٌ
طُرِقْنَ عَلَى حِينِ الْمَسَـاءِ بِرِئْبَـالِ
فَهِجْنَ جَمِيعاً هَيْجَةً فُزِّعَـتْ لَهَـا
كِلابُ الْقُرَى مَا بَيْنَ سَهْلٍ وَأَجْبَالِ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْ كَلْبٍ عَقُـورٍ وَكَلْبَـةٍ
مِنَ الْحَيِّ إِلا جَاءَ بِالْعَـمِّ وَالْخَـالِ
وَفُزِّعَتِ الأَنْعَامُ وَالْخَيْـلُ فَانْبَـرَتْ
تُجَاوِبُ بَعْضَاً فِي رُغَاءٍ وَتَصْهَـالِ
فَقَامَتْ رِجَالُ الْحَيِّ تَحْسَبُ أَنَّهَـا
أُصِيبَتْ بِجَيْشٍ ذِي غَوَارِبَ ذَيَّـالِ
فَمِنْ حَامِلٍ رُمْحاً وَمِنْ قَابِضٍ عَصَاً
وَمِنْ فَزعٍ يَتْلُو الْكِتَـابَ بِإِهْـلالِ
وَمِنْ صِبْيَةٍ رِيعَتْ لِـذَاكَ وَنِسْـوَةٍ
قَوَائِمَ دُونَ الْبَابِ يَهْتِفْـنَ بِالْوَالِـي
فَيَا رَبُّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ تَصَبُّـرَاً
عَلَى مَا أُقَاسِيهِ وَخُذْهُـمْ بِزَلْـزَالِ
وفي حبه للوطن ووداعه لارضه قال
مــحــا البــيــنُ ما أبقتْ عيون المها مني
فـشِـــــــــبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني
عـــناءٌ ، ويــــأسٌ ، واشــــتيــــاقٌ وغــربةٌ
ألا ، شــدَّ ما ألقـــــاه في الدهر من غبنِ
فإن أكُ فــــارقـــــــتُ الــــديار فـــلي بـها
فُــــــؤادٌ أضـــــــلتْهُ عــــيـــون المها مِني
بعــــثــــتُ به يــــوم النـــوى إثـــــرَ لَحْظَةٍ
فأوقــــعــــه المِقدارُ في شَـرَكِ الحُــسنِ
فـــهل من فتى في الدهــــر يجمع بـينـنا
فـــلـــيــس كِلانا عــن أخــيه بمـسـتغــنِ
ولــما وقـــفــــنـا لِلــوَدَاع ، وأســـبَــلَـــتْ
مـــــدامـــعنا فـــــوق التـــرائب كالمـــزن
أهـــبتُ بـــــــصبري أن يعودَ ، فــعـــزنـي
وناديت حــلــمــي أن يـثــوب فــلــم يُغـنِ
ولمْ تَــمـْــضِ إلا خَــطْــرَةٌ ، ثــــم أقلــعـت
بنا عـــن شطوط الحـــي أجـنِحةُ السُّفْـنِ
فـكم مُـــــهجةٍ من زَفْرَةِ الوجدِ في لــظى
وكم مُقـْــــلَةٍ مِنْ غــزرة الدمــع في دَجْنِ
ومـــا كــــنتُ جــــربتُ النـــوى قبل هـذه
فـــلما دهــــتني كِدتُ أقــضي من الحزن
ولكـــنني راجـــعــــتُ حِــــلْمـِي ، وردني
إلى الحَــــزْمِ رأيٌ لا يــحـــومُ عــلـى أَفْنِ
ولولا بُـــنــيــاتٌ وشِـــيـــبٌ عــــــــواطـــلٌ
لــمــا قَــرَعَـتْ نفـسي على فائِتٍ سِني
فيــا قــلــبُ صــبـراً إن جـــــزِعتَ ، فربمـا
جَـــرَتْ سُـــنُــحاً طَيْرُ الحــــــوادثِ باليُمْنِ
فــقــد تُـــــورِقُ الأغـــصــان بـعد ذبـــولـها
ويــبــدو ضـــياء البــدر فـي ظــلمةِ الوَهنِ
وأيُ حـــســـــــــامٍ لم تُصِـــبهُ كـــهـــامُةٌ
ولهْــــذَمُ رُمْــــحٍ لا يُــــفَــــلُ مـــن الطـعنِ
ومن شــــــــاغــــــب الأيامَ لان مَــرِيـــرُهُ
وأســــلــمــهُ طولُ المِـــراسِ إلى الوَهْـنِ
وما المــــــــرءُ في دنـــيـاه إلا كـــســالِكٍ
مناهِـــــجَ لا تخـــلو من الســهل والحَــزْنِ
فإن تـــكـــــن الــدنيا تـــولــــت بــخـيـرها
فأهــــون بدنيا لا تــــدوم عــــــــلـى فَـنِّ!
تحــمــلــتُ خـــوفُ المَــنِّ كـــلَّ رَزِيــئـــةٍ
وحـــمـــلُ رزيا الدهــــر أحــلـى من المنِّ
وعــــاشـــــرتُ أخــداناً ، فلما بَلَــــــوتُهُمْ
تـــمـــنــيــتُ أن أبقى وحـــــيداً بلا خِـدنِ
إذا عـــــرف الــمـــــرءُ القلوبَ وما انطـوتْ
عـــليه مـن البغضاءِ – عاش على ضِــغْــنِ
يــــرى بــــصــــري مــــن لا أودُ لِـــقــاءَهُ
وتــسمـــعُ أذني مــا تــعــافُ مِن اللحــنِ
وكــيــف مُــقــامي بين أرضٍ أرى بـهــــا
من الظلم ما أخنى على الدار والسَّكْـــنِ
فسَمْعُ أنين الجَوْرِ قد شـــــاك مسمعي
ورؤيـــةُ وجـــه الغـــدر حــل عُرا جَفــــني
وصــعــب عــــلى ذي اللُّبِ رئــمـانُ ذِلةٍ
يَظَلُ بها في قــــومـــــــه واهي المـــتـنِ
إذا المــــرُ لم يــــرمِ الهـــــناةَ بــمــثلـها
تــخــطى إليه الخـوف من جـانب الأمـــن
وكـن رجلاً ، إن سيمَ خَــــسْفاُ رمـتْ به
حَــــمِـــيـــتُــهُ بــيـــن الصــــوارمِ واللُّــدنِ
فلا خـــيْرَ في الــدنيا إذا المرءُ لم يعـشْ
مـــهيباُ ، تـــراه العينُ كـــالنار فـي دغْــنِ
قصيدة بادر الفرصة
بادرِ الفُرصةَ ، واحـــــــــــــذر فَوتها
فَبُلُوغُ العزِّ في نَيلِ الفُـــــــــــرص
واغـــتنم عُـــمْـــــركَ إبانَ الصِــــبا
فهو إن زادَ مع الشـــــــــيبِ نَقَصْ
إنما الدنيا خـــــــــــــــــيالٌ عارضٌ
قلَّما يبقى ، وأخـــــــــــــبارٌ تُقصْ
تارةً تَدْجو ، وطـــــــــــــوراً تنجلي
عادةُ الظِلِّ ســــــــــجا ، ثمَّ قَلَصْ
فابتدر مســـــعاك ، واعلم أنَّ من
بادرَ الصــــــــــــيدَ مع الفجرِ قنص
لن ينال المـــــــــرءُ بالعجز المنى
إنما الفوزُ لِمن هــــــــــــــمَّ فنص
يَكدحُ العاقــــــــــــــــلُ في مأمنهِ
فإذا ضــــــــــــاقَ به الأمرُ شَخَصْ
إن ذا الحاجـــــــــــــةِ مالمْ يغتربْ
عَنْ حماهُ مثْلُ طَــــــيْرٍ في قفصْ
وليكن سعـــــــــــــــيك مجداً كُلُّهُ
إن مرعى الشـــــــر مَكْرُوهٌ أَحَصْ
واتركِ الحِــــــرصَ تعِشْ في راحةٍ
قَلَّما نـــــالَ مـُــــــــنـَاهُ مَنْ حَرَصْ
قد يَضُرُّ الشـــــــــــيءُ ترجُو نَفعَهُ
رُبَّ ظَمْآنَ بِصَـــــــــــفوِ الماءِ غَصْ
مَيزِ الأشــــــــــــــياء تعرفْ قَدرها
ليستِ الغُرَّةُ مِنْ جِــــنسِ البرصْ
واجــــــــــــــــتنبْ كُلَّ غَبِيٍ مَائِقٍ
فهو كَالعَيْرِ ، إذا جَــــــــــــدَّ قَمَصْ
إنما الجاهــــــــلُ في العين قذًى
حيثما كانَ ، وفب الصـــدرِ غَصَصْ
واحذرِ النمـــــــــــــــامَ تأمنْ كَيْدَهُ
فهو كالبُرغُــــــــــوثِ إن دبَّ قرصْ
يَرْقُبُ الشَــــــــــرَّ ، فإن لاحتْ لهُ
فُرْصَةٌ تَصْلُحُ لِلخَــــــــــــــتْلِ فَرصْ
سَاكنُ الأطــــــــــــــــرافِ ، إلا أنهُ
إن رأى منَشـــــــــبَ أُظْفُورٍ رَقَصْ
واختبر من شــــــئت تَعْرِفهُ ، فما
يعرفُ الأخـــــــــلاقَ إلا مَنْ فَحَصْ
هذهِ حِـــــكـــــمـــةُ كَـــــهلٍ خابرٍ
فاقتنصها ، فهي نِعْـــمَ المُقْتَنَصْ
قصيدة و أنشودة العودة للوطن
أَبَابِلُ رَأْيَ العَيْنِ أَمْ هَذِهِ مِصْـرُ فَإِنِّي أَرَى فِيهَا عُيُونَاً هِيَ السِّحْـرُ
نَوَاعِسَ أَيْقَظْنَ الهَـوْى بِلَوَاحِـظٍ تَدِينُ لَهَا بِالفَتْكَةِ البِيضُ وَالسُّمْـرُ
فَلَيْسَ لِعَقْلٍ دُونَ سُلْطَانِـهَا حِمَىً وَلاَ لِفُؤَادٍ دُونَ غِشْيَانِـهَا سِتْـرُ
فَإِنْ يَكُ مُوسَى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّةً فَذَلِكَ عَصْرُ المُعْجِزَاتِ ، وَذَا عَصْرُ
فَأَيُّ فُـؤَادٍ لاَ يَذُوبُ صَبَابَـةً وَمُزْنَةِ عَيْنٍ لاَ يَصُوبُ لَهَـا قَطْـرُ؟
بِنَفْسِي – وَإِنْ عَزَّتْ عَلَيَّ – رَبِيبَـةٌ مِنَ العِينِ فِي أَجْفَانِ مُقْلَتِهَا فَتْـرُ
فَتَاةٌ يَرِفُّ البَدْرُ تَحْتَ قِنَاعِـهَا وَيَخْطِرُ فِي أَبْرَادِهَا الغُصُنُ النَّضْـرُ
تُرِيكَ جُمَانَ القَطْرِ فِي أُقْحُوَانَـةٍ مُفَلَّجَةِ الأَطْرَافِ ، قِيلَ لَـهَا ثَغْـرُ
تَدِينُ لِعَيْنَيْهَا سَوَاحِـرُ ” بَابِـلٍ” وَتَسْكَرُ مِنْ صَهْبَاءِ رِيقَتِهَا الخَمْـرُ
فَيَا رَبَّةَ الخِدْرِ الذِي حَـالَ دُونَـهُ ضَرَاغِمُ حَرْبٍ، غَابُهَا الأَسَلُ السُّمْرُ
أَمَا مِنْ وِصَـالٍ أَسْتَعِيـدُ بِأُنْسِـهِ نَضَارَةَ عَيْشٍ كَانَ أَفْسَدَهُ الهََجْـرُ؟
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْـيَا بِحُبِّكِ عَالِمَـاً بِأَنَّ جُنُونِي فِي هَوَاكِ هُوَ الفَخْـرُ
فَلاَ تَحْسَِبي شَوْقِي فُكَاهَـةَ مَازِحٍ فَمَا هُوَ إلاَّ الجَمْرُ ، أَوْ دُونَهُ الجَمْـرُ
هَوَىً كَضَمِيرِ الزِنْدِ لَوْ أَنَّ مَدْمَعِي تَأَخَّرَ عَنْ سُقْيَاهُ لاَحْتَرَقَ الصَّـدْرُ
إِذَا مَا أَتَيْتُ الحَيَّ فَـارَتْ بِغَيْظِـهَا قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آمَاقِهَا الغَـدْرُ
يَظُنُّونَ بِي شَرَّاً ، وَلَسْـتُ بِأَهْلِـهِ وَظَنُّ الفَتَى مِنْ غَيْـرِ بَيِّـنَةٍ وِزْرُ
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ إِنْ تَرَنَّـمَ شَـاعِـرٌ بِقَافِيَةٍ لاَ عَيْبَ فِيهَا ، وَلاَ نُكْـرُ؟
أَفِي الحَقِّ أَنْ تَبْكِي الحَمَائِمُ شَجْوَهَا وَيُبْلَى فَلاَ يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ حُـرُّ؟
وَأَيُّ نَكِيرٍ فِي هَوَىً شَـبَّ وَقْدُهُ بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِـهِ الشِّعْرُ؟
فَـلاَ يَبْتَدِرْنِي بِالمَلاَمَـةِ عَـاذِلٌ فَإِنَّ الهَوَى فِيـهِ لِمُعْتَـذِرٍ عُـذْرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحُبِّ فَضْلٌ عَلَى النُّهَى لَمَا ذَلَّ حَيٌّ لِلْهَـوَى وَلَـهُ قَـدْرُ
وَكَيْفَ أَسُومُ القَلْبَ صَبْرَاً عَلَى الهَوَى وَلَمْ يَبْقَ لِيْ فِي الحُبِّ قَلْبٌ وَلاَ صَبْرُ
لِيَهْنَ الهَوَى أَنِّي خَضَعْـتُ لِحُكْمِهِ وَإِنْ كَانَ لِيْ فِي غَيْرِهِ النَّهْيُ وَالأَمْرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ تَأْبَى لِيَ الضَّيْمَ صَـوْلَةٌ مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْـرُ
أَبِيٌّ عَلَى الحِدْثَـانِ ، لاَ يَسْتَفِزُّنِي عَظِيمٌ ، وَلاَ يَأْوِي إِلَى سَاحَتِي ذُعْرُ
إِذَا صُلْتُ صَالَ المَوْتُ مِنْ وَكَرَاتِـهِ وَإِنْ قُلْتُ أَرْخَى مِنْ أَعِنَّـتِهِ الشِّعْرُ