الإيمان بالقضاء والقدر يعني التصديق الجازم بقضاء الله وقدره ، وبأن كل ما يقع في الأنفس والآفاق سواء كان خيرا أم شرا يكون بقضاء الله وقدره ، فالله عز وجل قد كتب الأقدار قبل خلق الخليقة فلا يخرج شيء عن مشيئته وإرادته في الأرض أو السماء ، فهو الله سبحانه وتعالى وحده لا يسأل عما يفعل .
كيفية الإيمان بالقضاء والقدر
يكون الإيمان بالقضاء والقدر عن طريق الإيمان بمراتبه وأركانه ، حيث لا يكتمل إيمان العبد إلا بالإيمان بها جميعا ، وتتمثل هذه المراتب في الآتي :
مرتبة العلم
هذه المرتبة تعني أن يؤمن العبد بأن الله يعلم كل شيء جملة وتفصيلا ، فقد وسع كل شيء علما ، فهو يعلم بأفعاله ، وأفعال عباده ، كما أنه سبحانه وتعالى عالم بأرزاق العباد وآجالهم قبل خلقهم ، ويعلم ما يصدر منهم من قول وفعل ، قال تعالى : (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)
مرتبة الكتابة
والتي تعني الإيمان بأن الله قد كتب جميع مقادير العباد في اللوح المحفوظ بعد علمه سبحانه وتعالى السابق بها ، قال تعالى : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)
مرحلة المشيئة
والتي تعني الإيمان بمشيئة الله تعالى النافذه ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وتتزامن هذه المشيئة مع قدرة الله الشاملة في الأمور التي كانت أو يشاء لها أن تكون ، لكن عدم مشيئة الله سبحانه وتعالى لحدوث بعض الأشياء لا تعني عدم قدرته عليها ، قال تعالى : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
مرحلة الخلق
تعني مرحلة الخلق الإيمان بأن الله قد خلق جميع الخلائق من العدم، وكذلك خلق جميع أفعالهم وأوجدها وقدر حدوثها، وأما العبد فهو فاعل مكتسب لها، قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ))
أهمية وآثار الإيمان بالقضاء والقدر
الإقدام على عظائم الأمور
يعد الإيمان بالقدر في حياة المؤمن أقوى حافز للعمل الصالح والإقدام على عظائم الأمور بثبات وعزم وثقة ، وظهرت الصورة الصحيحة للإيمان بالقدر في حياة الأجيال الأولى للمسلمين والتي صنعت العجائب التي سجلها التاريخ ، والتي استطاعت تثبيت الدعوة في الأرض وانتشارها على نظاق واسع في فترة زمنية وجيزة ، وهي التي أقامت هذا البناء الشاهق في مختلف ميادين الحياة .
القضاء على التواكل والكسل
لقد فهم ـ بعض الناس ـ من معنى أنه لا يحدث في الكون إلا ما يريده الله، أنه لا حاجة للإنسان أن يعمل، فإن قدر الله ماض سواء عمل الإنسان أو لم يعمل، فلا ضرورة للكد في طلب الرزق لأن : ما لك سوف يأتيك، ولا ضرورة للنشاط والحركة لأنها في اعتقادهم ضد التوكل الصحيح، كما فهموا من معنى التسليم لقدر الله القعود عن تغيير ما أصاب الإنسان من فقر أو مرض أو جهل أو حتى معصية، لأن كل ذلك مقدر من عند الله فلا ينبغي مقاومته إنما ينبغي الاستسلام له. لكن هذا التواكل وهذه السلبية ليست من الإسلام في شيء، وإلا فلو كانت من الإسلام، فكيف غابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن صحبه الكرام الذين تلقوا عنه المفاهيم الصحيحة لهذا الدين.
الثبات في مواجهة الطغيان
ومن ثمار الإيمان بالقدر أيضًا، أنه يهب صاحبه ثباتًا ورسوخًا في مقاومة الباطل ومواجهة الظلم والطغيان، وإنكار المنكر، لا يهاب فرعوناً متألهاً ولا طاغوتاً متجبراً، وذلك أن الناس عادة يخافون على أمرين نفيسين عندهم وهما: العمر والرزق. فالعمر محتوم، والرزق مقسوم، ولهذا وقف المؤمنون في وجه الطغاة والجبارين، ولم يعبأوا بجبروتهم ولم يهنوا أمام قوتهم وطغيانهم وفي عصرنا رأينا العلماء والدعاة الشامخين يواجهون المستعمرين، وأذناب المستعمرين من الملوك والرؤساء، غير مبالين بما يصيبهم في سبيل الله.
الصبر عند نزول المصائب
فالمؤمن بالقدر لا يسيطر عليه الجزع، والفزع، ولا يستبد به السخط والهلع، بل ييستقبل مصائب الزمن بثبات، كثبات الجبال فقد استقر في أعماقه، قول الله تعالى:”مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ” (الحديد، آية : 22 ـ 23).
فيعد الإيمان بالقدر من أعظم الأدوية التي تعين المؤمن على الشدائد والمصائب والبلايا، فهو ثمرة من أعظم ثمرات الإيمان بالقدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزز في نفوس أفراد الأمة الإسلامية هذا الإيمان ويرشدهم ويعلمهم كيف يتعاملوا مع المصائب والشدائد، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت، فقال للرسول: أرجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
الرضا والقناعة بما قسمه الله
رضا المؤمن بما قسم الله، وقناعته بما رزق الله ، وهذه ثمرات طيبة في نفسية المؤمن وحياته. والرضا والقناعة تتجلى في القلب، فمن الناس من لو أوتي وادياً من ذهب لابتغى ثانياً، ولو أوتي ثانياً لتمنى ثالثاً، ومثله كجهنم يقال لها: هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟
لذلك على المؤمن ألا يتطلع إلى ما ليس في وسعه وليس من شأنه ويرضى بما وهب الله له مما لا يستطيع تغييره وفي حدود ما قدر له يجب أن يكون نشاطه وطموحه، وذلك كتمني الشيخ أن يكون له قوة الشباب، وتطلع المرأة الدميمة إلى الحسناء في غيرة وحسد، وطموح البدوي الذي يعيش في أرض فقراء بطبيعتها إلى رفاهية الحياة وأسباب النعيم.
السكينة وهي راحة القلب والنفس
تعد السكينة هدف منشود، فكل من على وجه الأرض يبتغيها ويبحث عنها، وإنك لتجد عند خواص المسلمين من العلماء العاملين، والعباد القانتين المتبعين، من سكون القلب وطمأنينة النفس ما لا يخطر على بال ولا يدور حول ما يشبهه خيال، فلهم في ذلك الشأن النصيب الأوفى، فهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يقول: أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر.