يقابل الإنسان في حياته العديد من الأمور التي لا يستطيع أن يحدد هل هي خير له أم شر ، وقد يحتار في الاختيار بين شيئين ، ولذلك شرع الله لعباده الاستخارة في مثل تلك الأمور الشائكة ؛ حيث يستشير العبد ربه في الأمر الذي يسبب له الحيرة ؛ فيعطيه الله تعالى الدلائل التي تساعده على قبول هذا الأمر من عدمه ، والاستخارة تتم إما عن طريق صلاة الاستخارة وهي أداء ركعتين من دون الفريضة ثم التضرع بدعاء الاستخارة ، أو يجوز كذلك أن تتم الاستخارة بالدعاء فقط.
الاستخارة بدون صلاة
من الشائع أنه من الأفضل الاستخارة عن طريق أداء ركعتين من دون الفريضة ، ومن ثَم الدعاء في السجود أو في آخر التشهد بنص دعاء الاستخارة الذي أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن التيسير هو أحد ركائز الدين الإسلامي ؛ لذلك فإن الاستخارة تجوز دون صلاة بمعنى التضرع لله تعالى بدعاء الاستخارة فقط ، وذلك من أجل التيسير على مَن لا يستطيع أداء هذه الصلاة في أوقات معينة مثل الحائض والنفساء ، وقد قال الإمام النووي في ذلك الأمر “ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء”.
وقد استدل علماء الدين على جواز الاستخارة دون صلاة من بعض المواقف الواردة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنها ما ورد حينما اختلف الصحابة رضوان الله عليهم حينما توفي رسول الله في مسألة اللحد والشق ؛ حيث قال أنس رضي الله عنه في ذلك “وكان بالمدينة رجل يلحد وآخر يضرح ؛ فقالوا : نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه ؛ فأُرسل إليهما فسبق صاحب اللحد ؛ فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم” ، ومن هنا فُهم أن الاستخارة تجوز بالدعاء فقط دون صلاة.
دعاء الاستخارة
لقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه دعاء الاستخارة ؛ وهو الذي يقال في الصلاة ، ويجوز أن يُذكر نفس الدعاء عند الاستخارة دون صلاة ، كما يجوز الدعاء بأي دعاء خير آخر ، والدعاء الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو “اللّهم إنّي أستخيرك بعلمك ، وأسألك من فضلك العظيم ، وأستقدرك بقدرتك ، فإنّك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب ، اللّهم إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر (يُسمي حاجته) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال: عاجل أمري وآجله) ، فاقدره لي ويسّره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال: عاجل أمري وآجله) ، فاصرفه عنّي واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثمّ أرضني به”.
أهمية الاستخارة
تدل الاستخارة على مدى افتقار العبد واحتياجه الدائم إلى ربه عزّ وجل لأنه هو العالم الذي لا يعلم سواه ، والتوكل على الله تعالى هو سمة من سمات المؤمن الحق ، وأهمية الاستخارة تكمن في معنى التوكل والرضا بقضاء الله تعالى ؛ حيث أن العبد يقوم بتفويض أمره إلى الله وهو يثق في حكمته سبحانه وتعالى ، وهو ما يجعل العبد يرضى بما أعطاه الله وهو على يقين بأنه خير في كل الأحوال ، وهو ما يريده الله تعالى من عباده ؛ حيث يختبر قوة إيمانهم به عزّ وجل ، وقد قال تعالى في كتابه العزيز “وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”.