قال تعالى في سورة البقرة في الآية (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وفيما يلى تفسير الآية الكريمة .
تفسير قوله تعالى ” فسيكفيكهم الله وهو السمع العليم “
تفسير ابن كثير
فسر ابن كثير قوله تعالى ( فإن آمنوا ) ويقصد به الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من الذين لم يؤمنوا بالله الواحد الاحد، وفسر قوله تعالى ( بمثل ما آمنتم به ) أي يؤمنون كالمسلمين بجميع الكتب السماوية وجمع الرسل، وفسر قوله تعالى ( فقد اهتدوا ) أي تم ارشادهم إلى الحق والصواب، وقوله تعالى ( وإن تولوا ) وإن تمسكوا بالباطل وتركوا الحق بعد أن قدمت لهم الحجج، وفسر قوله تعالى ( فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله ) فإن الله سينصرك عليهم ويظفرك بهم.
عن نافع بن أبي نعيم قال : أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه . قال زياد : فقلت له : إن الناس يقولون : إن مصحفه كان في حجره حين قتل ، فوقع الدم على ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) فقال نافع : بصرت عيني بالدم على هذه الآية وقد قدم .
تفسير القرطبي
فسر القرطبي قوله تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم )، أي إذا آمن أهل الكتاب والكفار مثل ايمانكم وآمنوا بالله وبكتبه ورسله فقد اهتدوا، وقد قال ابن عباس عن الطبري : فإن آمنوا بالذي آمنتم به فقد اهتدوا وهذا هو معنى القراءة وإن خالف المصحف ، فمثل زائدة كما هي في قوله : ليس كمثله شيء أي ليس كهو شيء
وقيل عن ابن عباس : لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فإن الله ليس له مثل ، ولكن قولوا : بالذي آمنتم به، ويعنى : أي فإن آمنوا بنبيكم وبعامة الأنبياء ولم يفرقوا بينهم كما لم تفرقوا فقد اهتدوا، وإن أبوا إلا التفريق فهم الناكبون عن الدين إلى الشقاق فسيكفيكهم الله .
وقيل عن جماعة من أهل النظر أنهم قالوا : ويحتمل أن تكون الكاف في قوله (ليس كمثله شيء زائدة)، وقيل : والذي روي عن ابن عباس من نهيه عن القراءة العامة شيء ذهب إليه للمبالغة في نفي التشبيه عن الله عز وجل، وقال ابن عطية : هذا من ابن عباس على جهة التفسير، وقد قيل : إن الباء بمعنى على وهي تعني : فإن آمنوا على مثل إيمانكم .
وقوله تعالى (فسيكفيكهم الله) تعني أن الله تعالى سيكفي رسوله وكان هذا وعدا من الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم، وتم تحقيق هذا الوعد عند قتل بني قينقاع وبني قريظة وإجلاء بني النضير، والكاف والهاء والميم في موضع نصب مفعولان، وقد وقع دم سيدنا عثمان رضى الله عنه على قوله تعالى (فسيكفيكهم الله) حين قتل.
قال أبو جعفر : يعني تعالى بقوله ( فسيكفيكهمُ الله ) : فسيكفيكَ الله يا محمد، هؤلاء الذين قالوا لَكَ ولأصحابك : كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا، من اليهود والنصارى، إنْ هم تولوْا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله، وبما أنـزل إليك وما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرقوا بين الله ورُسُله إما بقتل السيف وإما بجلاء عن جوارك وغير ذلك من العقوبات، فإن الله هو ” السميع ” لما يقولون لك بألسنتهم، ويبدون لك بأفواههم، من الجهل والدعاء إلى الكفر والملل الضّالة ” العليمُ” بما يُبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحَسد والبغضاء.
وقد حكي أن أبا دلامة دخل على المنصور وعليه قلنسوة طويلة ودراعة مكتوب بين كتفيها قوله تعالى ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم )، وكان سيفه معلق في وسطه وذلك بأمر المنصور الذي أمر بهذا الزي للجنود، فقال له : كيف حالك يا أبا دلامة ؟ قال : بشر يا أمير المؤمنين فقال : وكيف ذاك ؟ قال : ما ظنك برجل وجهه في وسطه، وسيفه في استه ، وقد نبذ كتاب الله وراء ظهره فضحك المنصور منه ، ومنذ ذلك الوقت أمر بتغيير ذلك الزي.