أطلق لقب ” بحر الجود ” على الصحابي الجليل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والذي يُعرف بإسم ” أبي جعفر ” ، وهو يعد من أصغر الصحابة سنًا وأحد رواة الحديث النبوي الشريف، وقد ولد عام 622م بالحبشة خلال السنة الأولى للهجرة ، وقد عَرف أبي جعفر بهذا اللقب لأنه كان يتسم بالكرم والعفة والجود .
حياة عبد الله بن جعفر
ترعرع الصحابي الجليل أبو جعفر في كنف والديه بالحبشة، وهو يعد المولود الأول في الإسلام بـ الحبشة؛ وقد قام بمرافقة عائلته بعد الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة، وقد قضى هناك فترة طويلة، وبعد وفاة والد عبد الله خلال السنة الثامنة للهجرة في غزوة مؤته، حظي عبد الله بتكفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشأ في رحاب آل البيت .
قام أبو جعفر برواية العديد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن سمعها عنه من صغر سنة، لذلك فقد اعتبره العلماء واحدًا من صغار الصحابة، كذلك فقد كان أبو جعفر الأصغر سنًا عند بني هاشم ممن كانوا يصحبون الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد شارك أبو جعفر في مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم خلال السنة الثامنة من الهجرة، وقام برواية الأحاديث عن أمه أسماء بنت عميس وبعض الصحابة مثل عمار بن ياسر وعثمان بن عفان وأبي بكر الصديق وغيرهم، وهو يعد أحد رواة الحديث الذين استندوا إليه الجماعة في رواية الحديث عنه، وقد أسند عليه ما يزيد عن ثلاثة عشر حديثًا .
كان أبو جعفر يعمل بالتجارة، وقد صار أحد كبار التجار ذوي الشأن العظيم في المدينة المنورة وأصبح غنيًا متنعمًا بالغناء ، وقد ضرب به الجميع مثالاً في الكرم والجود .
وفاة عبد الله بن جعفر
توفي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السنة الثمانين من الهجرة، وقد في التسعين من عمره، وقد وارى جثمانه في البقيع بالمدينة المنورة .
بعض ما ورد عن عبد الله بن جعفر
– سعدان بن الوليد : عن عطاء ، عن ابن عباس : بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : ” يا أسماء ، هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر ، فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم ، فردي عليه السلام ، وقال : إنه لقي المشركين ، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون ، فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت ، ثم أخذ باليسرى فقطعت . قال : فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها ” .
– وعن أسماء ، قالت : دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فدعا بني جعفر ، فرأيته شمهم ، وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : ” نعم ، قتل اليوم . فقمنا نبكي ، ورجع ، فقال : اصنعوا لآل جعفر طعاما ; فقد شغلوا عن أنفسهم ” .
– عبد الله بن نمير : عن الأجلح ، عن الشعبي ، قال : لما رجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من خيبر تلقاه جعفر ، فالتزمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقبل بين عينيه ، وقال : ” ما أدري بأيهما أنا أفرح : بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر ” .
– أبو شيبة العبسي : حدثنا الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة ، مضرجة قوادمه بالدماء ، يطير في الجنة ” .
– حديج بن معاوية : عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عتبة ، عن ابن مسعود ، قال : بعثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى النجاشي ثمانين رجلا : أنا ، وجعفر ، وأبو موسى ، وعبد الله بن عرفطة ، وعثمان بن مظعون . وبعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية . فقدما على النجاشي ، فلما دخلا سجدا [ ص: 207 ] له وابتدراه ، فقعد واحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فقالا : إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك ، فرغبوا عن ملتنا . قال : وأين هم ؟ قالوا : بأرضك .
فأرسل في طلبهم ، فقال جعفر : أنا خطيبكم . فاتبعوه ، فدخل فسلم ، فقالوا : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله . قالوا : ولم ذاك ؟ قال : إن الله أرسل فينا رسولا ، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله ، وأمرنا بالصلاة والزكاة . فقال عمرو : إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه . قال : ما تقولون في ابن مريم وأمه ؟ قال جعفر : نقول كما قال الله : روح الله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر .
قال : فرفع النجاشي عودا من الأرض وقال : يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، ما تريدون ، ما يسوءني هذا ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به النبي عيسى في الإنجيل ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته ، فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه ، وقال : انزلوا حيث شئتم . وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما ، قال : وتعجل ابن مسعود ، فشهد بدرا .