{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة النور: 11]
سبب نزول الآية:
يقول ابن كثير هذه العشر الآيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت، والفرية التي غار الله عزَّ وجلَّ لها ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه، فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض الرسول صل الله عليه وسلم
تفسير الآية ابن كثير:
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}: أي جماعة منكم يعني ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة؛ فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، فإنه كان يجمعه ويستوشيه حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين، فتكلموا به، وجوزه آخرون منهم، وبقي الأمر كذلك قريباً من شهر حتى نزل القرآن؛ وبيان ذلك في الأحاديث الصحيحة.
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ}: أي الكذب والبهت والافتراء {عُصْبَةٌ}: أي جماعة منكم {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ}: أي يا آل أبي بكر {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}: أي في الدنيا والآخرة، لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة، وإظهار شرف لهم باعتناء الله تعالى بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث أنزل الله براءتها في القرآن العظيم، ولهذا لما دخل عليها ابن عباس رضي الله عنه وعنها وهي في سياق الموت، قال لها أبشري فإنك زوجة رسول الله صل الله عليه وسلم، وكان يحبك ولم يتزوج بكراً غيرك، ونزلت براءتك من السماء.
وقوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ}: أي لكل من تكلم في هذه القضية، ورمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب، {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}: قيل: ابتدأ به، وقيل: الذي كان يجمعه ويذيعه ويشيعه {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: أي على ذلك، ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي بن سلول قبحه الله تعالى ولعنه، وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث.
وقيل: بل المراد به حسان بن ثابت، وهو قول غريب، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أن كان يذب عن رسول الله صل الله عليه وسلم بشعره، وهو الذي قال له صل الله عليه وسلم: «هاجهم وجبريل معك» وقال مسروق كنت عند عائشة رضي الله عنها، فدخل حسان بن ثابت، فأمرت فألقي له وسادة، فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني يدخل عليك، وفي رواية قيل لها: أتأذنين لهذا يدخل عليك؟ وقد قال الله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: قالت: وأي عذاب أشد من العمى، وكان قد ذهب بصره، لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم، ثم قالت: إنه كان ينافح عن رسول الله صل الله عليه وسلم.