المتعة في قراءة الشعر عند محبيه تعد حالة لا يمكن وصفها بسهولة ، خاصة مع الشعراء الذين أبدعوا بشكل كبير في وصف ما بداخلهم من مشاعر ، واليوم نتجه نحو اليمن ونختار واحد من أروع شعراء العرب في العصر الحديث ، هو الشاعر اليمني إسماعيل الوريث شاعر وكاتب ومذيع يمني مشهور كتب الشعر في سن مبكر ، عمل مذيع في إذاعة صنعاء وعمل مديرا عاما للثقافة بوزارة الإعلام اليمنية وأسس معهد الموسيقى في اليمن وكن فريق مسرحي وطني لليمن ، بخلاف قدرته على الكتابة الراقية في المقالات والصحف اليمنية ، كل هذه المسيرة سوف تأخذنا لكي نعرض أفضل أشعاره وقصائده المميزة طوال مسيرته الفريدة في عالم الأدب خاصة في كتابة القصائد الغنائية والعاطفية ، تعالوا بنا نعرض هذه القصائد خلال السطور التالية .

قصيدة اعتراف
كلما قلت اكتب عنك أخافك‏
تنكسر الكلمات‏
يعذبني حبك النار‏
حين أجيء إليك أذوب احتراقاً‏
وحين ابتعادك يشعلني لهب الصد‏
لكنني‏
لم أعش لحظة واحدة‏
دون أطيافك المرحات يشاغلنني‏
لم أعش دون حبك ثانية‏
واعترافي بحبك سر ضننت به‏
ولتوزع بيان اعترافي النجوم‏
وأراك فأخفي الذي في الضلوع‏
وتحل طيوفك مابين عيني ضيفاً إذا ما استقر المساء‏
وأخاف عليك وتفصلني عنك بعض الشوارع والأرصفة‏
وأراك تعدين زاد الرحيل‏
وسيفصل بيني وبينك طول البحار‏
والمنى المترفة‏
والتقاء صديق جديد‏

قصيدة صدى الأرض
منذ البدية خيرتني … ربة الشعر المقدس‏
أن تكون الأرض لي شجناً‏
فأكتب حزنها شعراً‏
وأحمل همها‏
أوأن أكون مهرجاً في القصر‏
أكتب مدحة حيناً‏
وتصبغ وجهي الألوانْ‏
‏ واخترت منذ بدايتي وطني وشعبي‏
وكتبت أشعاري لأرضي‏
ولثورتي سخرت كل قصائدي ودمي وحبي‏
الأرض أجمل كلمة خطت يدي‏
الأرض أجمل بسمة ظهرت لعيني‏
الأرض أجمل نشوة هزت كياني‏
مازال يربطني بأوجاع الولادة حبلها السري‏
من آلامها يتوالد الفجر البديع‏
ومن بكارتها يجيء الصبح‏
هذي الأرض منذ بدايتي قدري‏
وعمدت اختياري بالعذاب‏
وقفت بصف ثورتها‏
فلوح خائنوها بالردى‏
لكن مثلي لا يخون بلاده أو ينحني،‏
وعرفت جدران الزنازن‏
كان يروي صمتها شعري‏
وبوح الأرض كان وسادتي‏
ولمجدها الآتي مهرت دمي‏
منذ البداية علمتني الأرض أن أهب الحياة قصائدي‏
فكتبت للأطفال والفقراء أشعاري‏
وأعلنت انحيازي للضياء‏
منذ البداية علمتني الأرض أن الشعر فوق المستحيل‏
فبنيت قصراً من وفاء‏
وسكنت في قبو مع البسطاء‏
أبحث في انكسارات العيون عن التمرد‏
أبحث في مواقدهم عن النار التي خلف الرماد‏
منذ البداية علمتني الأرض أن أهوى التحرر‏
فانطلقت أحرض الحارات والمدن الخنوعة والقلاع‏
وهمست في أذن الجياع‏
أن امتلاك الحلم مقرون بهجمات السباع‏

قصيدة فزع
وتؤوب تفزعك الشوارع والطريق‏
تمتد غيلاناً‏
ويتبعك الجنود الواجمون‏
وسلاحك الخوف المعتق والشجون‏
وتؤوب ملتحفاً هواكَ‏
والليل يجمع نفسه متزاحماً في مقلتيك‏
والحزن يمنع عنك زهو الذكريات‏
فتسير من منفى إلى منفى‏
وتنكرك المدينة والصديق‏
يا ليل أين مسارح الأشواق؟‏
تفتر ابتسامات المساء‏
على ترانيم النجوم‏
أين المساءات المضاءة كالحريق‏
تتراقص الأحلام في ساحاتها‏
ونظل نشرب من كؤوس الحب‏
حتى لا نفيق‏
أين المدينة، قرية الأحلام‏
تنعم بالليالي الحالمات؟‏
تغفو على صدر الهوى فتنام نوم العاشقين‏
أين الجواري المشرعات‏
نوافذ الحب المضاءة‏
من خلفها تتنفس الغزلان‏
توقظها تباريح الحنين‏
أين الصحاب يدندنون فتملأ الدنيا غناء‏
فيذوب قلب الأرض من مرح‏
وتبتهل السماء‏
وتؤوب فالطرقات ألغام تعسكر في الضلوع‏
والضوء مثل المخبرين يراقب الذكرى لديك‏
والليل ممتد كألسنة الجحيم‏
وتؤوب تطرق باب بيتك كاليتيم‏
متصدعاً كالجرح‏
منشوراً كذرات الهشيم‏

قصيدة وعد التوحد
بيني وبينك موعد‏
فصلي بزورتك الشمال مع الجنوب‏
وخذي من البحر المعبئ بالحنين‏
زاد الرحيل‏
أسراره المتوثبات‏
يلفها الموج الغضوب‏
وإذا وصلت إلى الحدود‏
فحدثي حرس الحدود‏
أن الهوى اليمني قد نشر الشراع‏
بيني وبينك موعد‏
فتسربي مثل الضياء‏
وتنقلي بين القرى‏
وتنسمي عطر الجبال‏
ما بيننا تعب الطريق‏
ومسافة الأسفار تقصر أو تطول‏
لكن قلبينا توحد فيهما الأمل الوريق‏
إني لا ذكر ليلة في لحج،‏
علك تذكرين‏
سرنا إلى القصر العتيق ،‏
على طريق من ورود‏
وتحدثت عيناك‏
ما أحلى حكايات العيون‏
وتوحد القلب الغريب‏
بقلبك الرحب الحنون‏
والبحر ثالثنا تجمع من مواجدنا الوطن‏
في القبلة الأولى‏
توحدت اليمن‏

قصيدة اليوم الاخير
كان يوم الوداع الأخير‏
كان يوماً مطير‏
وانتظرتك في لحظات الوداع‏
مثقلاً بالحنين‏
والزمان قصير قصير‏
كان يوماً كريم السحاب‏
مترفاً بالضباب‏
وبحثت عن القلب قلبي المضاع‏
كان يوماً مطير‏
والسحاب مع البحر انشودتان‏
وأنا ساهم‏
أترقب خطواتك الواثقات‏
والصحاب يغنون أو يشربون‏
وأنا ساهم‏
أتلظى بحر الشجون‏
كان لي شاهدان‏
ذلك البحر تكسر أمواجه في الصخور‏
والضباب الخجول‏
والصحاب الذين رأوا في عيوني السأم‏
ورحلت الملم جرحي‏
وأخفي الذي بيننا‏
ورحلت وبي كالمدى‏
من لهيب الألم‏
كان يوماً مطير‏
غير أن الهوى كان ناراً‏
في دمي تستعر‏
وتلفت في جنباتِ الممرْ‏
وبحثتُ وكان القطار‏
يتلهف مندفعاً للرحيل‏
عنك في كل ناحية واتجاه‏
واندفعت مع الراحلين‏
عندما لم أجد بسمة حالمة‏
وكأن اللقا الذي كان حلمٌ سريعً‏
مثل سرعة ذاك القطار‏

قصيدة موعد الحبيبة
قد تكون الستائرُ‏
أو لا تكونْ‏
قد يكون المساءُ مدمَّى‏
وبعضُ السريرِ مغطّى‏
بنافذة تتأوَّهُ:‏
أينَ سماؤكِ؟‏
شمعُ الرسائلِ في الدرجِ‏
ريحانةُ الحبِّ في القلبِ‏
موعدُنا قبلَ أن نتواعدَ‏
كان على شرفة الوهمِ‏
أبصرُ ما تحملينَ‏
وأقرأ ما تنثرينَ‏
على سُرّة الحبر في جسدي:‏
لامكانَ نُعَشِّقُ فيه زوايا النّدمْ‏
لازمانَ نعلّقُ فيه غيومَ الألمْ‏
قد تكون الستائرُ‏
أو لاتكونْ‏
قد نكونُ وقد لاتكونْ‏
غرفةٌ في مساءٍ قصيٍّ مدمَّى الرُّؤى‏
حلمٌ خشبيُّ الصفاتِ‏
نؤجّجُ فيه الجنونْ‏
أحبّكِ‏
لاتتركيني أحاورُ رملَ خطاكِ‏
ولا تتركيني أقبّلُ عشبَ الأصابعِ‏
لاتتركيني أعود الى البيتِ وحدي‏
ولاتتركيه يعود اليكِ وحيداً‏
ولاتتركينا‏
عناقيد ماء على دالياتِ الحريقِ‏
أحبّكِ……‏
أتركُ بعضَ السريرِ‏
وبعضَ السطورِ‏
لتدفعَ ريحُكِ نحوي‏
ستائرَ مشغولةً‏
ببروقِ العواطفِ‏
محبوكةً‏
بسماء الجَسَدْ‏

قصيدة بيان البراءة
تقتسم السلطة أحزاب ورجال أفاقون‏
يقتسم الثروة تجار ولصوص وسماسرة قوادون‏
يقتسم اللغو جماعات تلعق نعل السلطان مساءً‏
وصباحاً تنهشه نهشاً وتعيش بوجهين‏
وأنا قاسمت الليل الظلمة والحزن‏
ونام الليل وما نمت‏
في زاوية من بيتي العامر بالحب‏
الخالي من كل زخارف هذي الدنيا‏
أغلقت على نفسي الباب‏
وفتحتَ الباب على نفسي‏
قلت \”لأسماء\” دعيني وحدي‏
ما أضيق هذا العالم‏
ما أوسع كهف النفس‏
يا هذا الحزن المتماوج كالبحر تمهل‏
إني أندم‏
طهرني يا حزن وخذ أخطائي وارحل.‏
لن أعلن يا حزن بأني كنت جباناً تجرفني الريح‏
لن أعلن أني كنت غباراً أو فأراً مذعور‏
أندم أني بعت الصدق بسوق الذئب‏
سلمت الثعلب أحلامي في صندوق من ماس‏
نادمت غراب البين على كأس من ذهب القلب‏
عاشرت الثعبان وحتى حين التف علي عفوت‏
ولم أضربه على الرأس‏
إني عذت برب الناس‏
من شر الوسواس الخناس‏
من كل الأحزاب وكل القتلة‏
من كل جماعات الريح‏
جماعات الرعب‏
جماعات الجمل المفتعلة‏