الإيثار هو المبدأ والممارسة الأخلاقية للخوف على سعادة الآخرين، وهذا يؤدي إلى رفع مستوى الحياة المادية والروحية على حد سواء، وهو فضيلة تقليدية في الكثير من الثقافات، كما أنه جانب أساسي في مختلف التقاليد الدينية والنظرات العالمية العلمانية،
وظهر الإيثار كثيرًا للرسول الكريم صلّ الله عليه وسلم والصحابة، حيث ورد إلينا الكثير من القصص المثبتة والصحيحة التي تحكي إيثار الرسول والصحابة.
التمييز بين الإيثار والولاء
يمكن التمييز بين الإيثار والولاء بأن الولاء يعتمد على العلاقات الاجتماعية بينما لا ينظر الإيثار إلى العلاقات، وهناك الكثير من الجدل بين الأفراد حول ما إذا كان الإيثار الحقيقي ممكنًا في علم النفس البشري أم لا، حيث ترى نظرية الأنانية النفسية أنه لا يمكن وصف أي فعل للمشاركة أو المساعدة أو التضحية بكونه إيثار حقيقي، حيث أن الإنسان يرغب في الحصول على مكافأة جوهرية في شكل الإشباع الشخصي، وتعتمد حجته في ذلك على قيمة المكافآت الذاتية وفوائدها للنفس البشرية.
والإيثار يشير إلى عقيدة أخلاقية تدعي أن الأفراد ملزمون أخلاقيًا بإفادة الآخرين، وهذا ما يتناقض مع الأنانية التي تدعي أن الأفراد ملزمين أخلاقيًا بخدمة أنفسهم أولاً.
قصة عن إيثار الرسول صلّ الله عليه وسلم
أخذ الرسول صلّ الله عليه وسلم من جميع الأخلاق أوفر الحظ والنصيب، حيث أنه تربع على عرش الأخلاق وعلا ذروة سنامه، وعند ذكر الإيثار فكان الرسول صلّ الله عليه وسلم سيد المؤثرين وقائدهم، ووصل به الحال أنه لم يكن يشبع هو ولا أهل بيته بسبب إيثاره صلّ الله عليه وسلم .
فقال ابن حجر : (والذي يظهر أنَّه صلّ الله عليه وسلم كان يؤثر بما عنده، فقد ثبت في الصَّحيحين أنَّه كان -إذا جاءه ما فتح الله عليه مِن خيبر وغيرها مِن تمر وغيره- يدَّخر قوت أهله سنة، ثمَّ يجعل ما بقي عنده عُدَّة في سبيل الله تعالى، ثمَّ كان مع ذلك -إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف- يشير على أهله بإيثارهم، فربَّما أدَّى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه) .
بعض الصور من إيثار الرسول صلّ الله عليه وسلم :
ـ عن سهل بن سعد، قال: ((جاءت امرأة ببردة، قال: أتدرون ما البردة؟ فقيل له: نعم، هي الشَّملة منسوج في حاشيتها. قالت: يا رسول الله، إنِّي نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النَّبيُّ صلّ الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنَّها إزاره، فقال رجل مِن القوم: يا رسول الله، اكسنيها. فقال: (نعم).
فجلس النَّبيُّ صلّ الله عليه وسلم في المجلس، ثمَّ رجع فطواها، ثمَّ أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إيَّاه، لقد علمت أنَّه لا يردُّ سائلًا. فقال الرَّجل: والله ما سألته إلَّا لتكون كفني يوم أموت. قال سهل: فكانت كفنه).
– وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((إنَّا يوم الخندق نحفر فعرضت كُدْيَةٌ شديدةٌ فجاءوا النَّبيُّ صلّ الله عليه وسلم فقالوا: هذه كُدْيَةٌ عرضت في الخندق. فقال: أنا نازل ثمَّ قام -وبطنه معصوبٌ بحجر، ولبثنا ثلاثة أيَّام لا نذوق ذواقًا- فأخذ النَّبيُّ صلّ الله عليه وسلم المعول فضرب في الكُدْيَة فعاد كثيبًا أهيل أو أهيم،
فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت في النَّبيِّ صلّ الله عليه وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق . وطحنت الشَّعير حتى جعلنا اللَّحم بالبرمة. ثمَّ جئت النَّبيَّ صلّ الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج. فقلت:طعيِّم لي، فقم أنت -يا رسول الله- ورجل أو رجلان. قال: كم هو؟ فذكرت له، فقال: كثير طيِّب.
قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز مِن التَّنُّور حتى آتي. فقال: قوموا. فقام المهاجرون والأنصار، فلمَّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النَّبيُّ صلّ الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومَن معهم! قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللَّحم ويخمِّر البرمة والتَّنُّور إذا أخذ منه، ويقرِّب إلى أصحابه ثمَّ ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقيَّةٌ. قال: كلي هذا وأهدي، فإنَّ النَّاس أصابتهم مجاعة).
ـ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((قال أبو طلحة لأمِّ سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلّ الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع، فهل عندك مِن شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصًا مِن شعير، ثمَّ أخرجت خمارًا لها فلفَّت الخبز ببعضه، ثمَّ دسَّته تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثمَّ أرسلتني إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم.
قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّ الله عليه وسلم في المسجد ومعه النَّاس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلّ الله عليه وسلم: آرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم. قال:بطعام؟ قلت: نعم. فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم لمن معه: قوموا. فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أمَّ سليم،
قد جاء رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالنَّاس، وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلّ الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلّ الله عليه وسلم وأبو طلحة معه،
فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: هلمِّي يا أمَّ سليم ما عندك، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلّ الله عليه وسلم ففتَّ، وعصرت أمُّ سليم عكَّة فأدمته، ثمَّ قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول، ثمَّ قال: ائذن لعشرة. فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا، ثمَّ قال: ائذن لعشرة. فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثمَّ خرجوا، ثمَّ قال: ائذن لعشرة. فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا، ثمَّ قال: ائذن لعشرة. فأكل القوم كلُّهم حتى شبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلًا).