الأنصار هم الصحابة الكرام ، الذين استقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين -رضي الله عنهم- في المدينة المنورة الهجرة من مكة إليهم ، فنصروهم وأكرموهم، وآثروهم على أنفسم رغم ما كان بهم من ضيق الحال، وكانوا مثالاً يقتدى في الكرم والإخاء وصدق المحبة للنبي عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى عن الأنصار: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛ ولذلك رضي الله تعالى عنهم، وأخبرنا أنهم من أهل الجنة، ومن أفضلهم سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، والبراء بن معرور، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، وأسعد بن زرارة، وأنس بن النضر، وجابر بن عبد الله وأبوه عبد الله بن حرام، وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين .
كما أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كان يحبهم حباً شديداً، حيث قال: (والَّذي نفسُ مُحمَّدٍ بيدِه لو أخَذ النَّاسُ واديًا وأخَذ الأنصارُ شِعْبًا لَأخَذْتُ شِعْبَ الأنصارِ، الأنصارُ كَرِشي وعَيْبَتي ولولا الهِجرةُ لكُنْتُ امرأً مِن الأنصارِ)، وينقسم الأنصار إلى قبيلتين أساسيتين، هما: الأوس والخزرج، وكانوا يُسمّون ببني قَيله؛ وقَيلة هي الأمّ التي تجمع القبيلتين، ولقد سماهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالأنصار؛ لأنهم نصروه في الوقت الذي لم يجد فيه نصيراً، وكان إيواؤهم له سبباً لمعاداة العرب والعجم لهم، ولذلك جعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حبهم من الإيمان وبغضهم من النفاق، حيث قال رسول الله: (آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنصارِ) .
أحاديث عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار
1- حديث أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأَنْصارِ، وَآيَةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأَنْصارِ). متفق عليه.
2- حديث الْبَراء قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (الأَنْصارُ لا يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلاّ مُنافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ). متفق عليه.
الشرح
فيه أن حب المؤمن لقبيلة الأنصار شعبة من شعب الإيمان وعلامة عليه فلا يحبهم إلا مؤمن. وفيه أن بغضهم وكرههم شعبة من شعب النفاق والكفر فلا يبغضهم إلا منافق. والأنصار هم من سكن المدينة من الأوس والخزرج وآمنوا بالرسول ونصروه وعزروه وآووه بعد هجرته إليهم واستقراره فيهم. وقد ورد في فضلهم شمائل عظيمة ومناقب جمة. قال تعالى في مدحهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مناسبات حافلة وفاضل بين دورهم وأحيائهم وأوصى باحترام حقوقهم وحفظ منزلتهم ومراعاتهم والتجاوز عن زلاتهم بعد موته وقد أخبر أن الناس يكثرون وهم يقلون مع مرور الزمان.
وانتسب إليهم خلق كثير ليسوا منهم خاصة في بلاد الأعاجم. وإنما أمر الله بمحبتهم وموالاتهم لما قاموا به من الإيمان والجهاد والنصرة والتضحية بأغلى ما يملكون في سبيل هذا الدين فاستحقوا هذه المنزلة العظيمة والمرتبة المنيفة في أهل الإيمان. وفيه أن محبتهم من مقتضى محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن كمال محبة الله الواجبة أن يحب المرء كل ما أحبه الله من الأزمنة والأمكنة والأشياء والأعيان من النبيين والصديقين والصالحين ومن أعلاهم الأنصار. وفيه أن من أبغضهم أو كفرهم أو طعن في دينهم وعاداهم وترك موالاتهم فهو منافق مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم طاعن في الشريعة التي بلغوها عنه. وهذه البدعة السيئة شائعة لدى بعض الفرق الضالة كالرافضة وغيرهم. والمقصود بالمدح والثناء من الأنصار من كان مؤمنا بالله مواليا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناصرا لدينه من الصحابة ومن تبعهم بإحسان أما من كان كافرا لم يؤمن بالرسول أو منافقا ومات على ذلك فليس داخلا في جماعة الأنصار الممدوحين ولا يلحقه فضل وإن كان ذو نسب فيهم كعبد الله بن أبي بن سلول ومن كان على شاكلته في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تابعه على النفاق بعد ذلك إلى آخر الزمان.
بيعة العقبة الأولى
لقد كانت هذه البيعة المباركة نقطة التحول والنور الذي أضاء الظلمات، بعد أن لاقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سبيل الدعوة إلى الله تعالى أصناف الأذى والصد والإعراض، حيث إنّه -عليه الصلاة والسلام- قضى سنوات طويلةً وهو يطوف على القبائل؛ ليلتمس الحليف والنصير، حتى جاء الموعد الذي أراد الله تعالى فيه نصرة دينه، وإعزاز نبيه، وكان ذلك الموعد في موسم الحج من العام 11 للبعثة؛ حيث التقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بستة أشخاص من أهل المدينة المنوّرة، ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا، ولم يكتفوا بذلك؛ بل رجعوا إلى أهلهم مبلّغين دعوة الإسلام، حتى لم يبقَ بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ رجعوا في موسم الحج من العام الذي يليه، وهم 12 رجلاً، وكانوا 2 من الأوس 10 من الخزرج، فالتقوا برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمنى عند العقبة، وبايعوه هناك بيعة العقبة الأولى، وسميت أيضاً ببيعة النساء.
كانت بنود بيعة العقبة كما وصفها الصحابي الأنصاري عبادة بن الصامت رضي الله عنه، كما جاء في قول رسول الله: (بايِعوني على أن لا تُشرِكوا باللهِ شيئًا، ولا تَسرِقوا، ولا تَزنوا، ولا تقتُلوا أولادَكم، ولا تأتوا ببُهتانٍ تفتَرونَه بينَ أيديكم وأرجُلِكم، ولا تَعصوا في معروفٍ، فمَن وفَّى منكم فأجرُه على اللهِ، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فعوقِبَ في الدنيا فهو كفَّارةٌ له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره اللهُ، فأمرُه إلى اللهِ: إن شاء عاقَبَه وإن شاء عفا عنه)، فبايعوه على ذلك، ثم أرسل معهم مصعب بن عمير؛ ليعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، ويدعو إلى الإسلام في المدينة.
وما أن نزل مصعب -رضي الله عنه- في بيت أسعد بن زرارة حتى اتخذه مقره، وبدأ يدعو الناس؛ فأسلم خلال أشهر قليلة الكثير من الأنصار، ومن الذين أسلموا على يد مصعب في ذلك الوقت: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، ثم انتشر الإسلام في المدينة حتى لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه مسلمون، وقبل موسم الحج من العام نفسه، عاد مصعب بن عمير -رضي الله عنه- إلى النبي عليه الصّلاة والسّلام؛ ليبشره بما حصل معه في المدينة من إقبال الأنصار على الإسلام، وأنه سيشهد في هذا العام ما يسر قلبه ويقر عينه .