وفاءُ كلٍّ من الزوجين للآخر من الأخلاق الإسلامية العظيمة التي تجسد ما في الحياة الزوجية من مودة ورحمة وسكن، وقد وجدنا في تراثنا العربي والإسلامي نماذجَ رائعة لهذا الوفاء، وخاصة من قبل المرأة.
كما جاء حديث أم زرع رواه البخاري يقول: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وعلى بن حجر قالا أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة ، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل، غث على رأس جبل، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق، قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.
قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلا لك. قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حلى أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلى نفسى، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح، أم أبى زرع فما أم أبى زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبى زرع، فما ابن أبى زرع؟ مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة .
بنت أبى زرع فما بنت أبى زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبى زرع فما جارية أبى زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثًا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تعشش بيتنا تعشيشًا، قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريًا ركب شريا وأخذ خطيا وأراح على نعمًا ثريا، وأعطاني من كل رائحةً زوجًا وقال كلي أم زرع، وميرى أهلك، قالت فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبى زرع، قالت عائشة قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « كنت لك كأبي زرع لأم زرع ».
شرح حديث أم زرع
تروي السيدة عائشة عن إحدى عشر امرأة جلست كل منهن تذكر من صفات زوجها فمنهن من مدحته ومنهن من ذمته، ماعدا المرأة التي جلست تذكر صفات زوجها وتتغزل فيه وفي حبه على الرغم من أنه طلقها وكانت هي أم زرع، أما المرأة الأولى فذكرت من عيوب زوجها التكبر على الرغم من أنه قليل الخير وهزيل وقالت الثانية: أن زوجها تملؤه العيوب ولكنها عيوب غير ظاهرة كما أن له بطن كبير.
والثالثة: العشنق يعني الطويل وهي تستهزئ بطوله الذي بدون نفع، فتخاف ذكر عيوبه حتى لا يطلقها وإن سكتت عنها ظلت معلقة لا هي عزباء ولا متزوجة، والرابعة: مدحت زوجها: أنه لا يمل منها ولا يسأمها فلا تخاف من غدره عليها، والخامسة: قامت بمدح زوجها أيضًا فشبهته بالفهد والأسد والكرم، والسادسة: ذمت في زوجها كثرة الأكل والشرب حتى أنه لا يترك بالإناء شيء ولا يتفقد أمورها أو يراعيها، والسابعة: ذكرت فيه من العيوب التي لا تعد ولا تحصى فأرادت أنه عاجز عن جماعها، ثقيل الظل، كثير الشر، يتميز بالبلادة والخيبة لأنه أحمق.
الثامنة: وهذه مدحت زوجها فهو طيب الرائحة لين الملمس طويل وجواد وكريم، والتاسعة: وصفت زوجها بالفصيح في اللغة صاحب الشرف العالي رفيع النسب. والعاشرة: مدحت زوجها أنه جواد يمتلك من الإبل ما لا يعد، ما أن يأتيه الضيف حتى يحسن استقباله بالمزاهر والطبول فعلمت الإبل أن دق المزاهر يعني نحرها.
والأخيرة هي أم زرع: تصف زوجها بالكريم الذي أهداها قرط وعقد يتدلى منه الذهب من ثقله، كما أنه أطعمها حتى سمنت، وكان كثيرًا ما يفرحها ويعظم من شأنها، يقبل كلامها فيستسيغه، تنام في بيته لكثرة الخدم الذين يقومون على راحتها، ثم عادت ووصفت أمه بأنها كثيرة الخير والنعمة، أما أبنه فهو كالسيف قليل الأكل وهو من المدح، وأبنته هي طوع أبيها مطيعة وفاتنة وأما جاريته فهي في خدمتهم ولا تنقل من خبرهم شيء.
حتى جاء اليوم الذي رأى فيه أبا زرع امرأة معها ولدين جميلة حسنة الجسم، فطلقها وتزوج المرأة، فنكحت من بعده رجلًا كثير الجود والكرم حتى أنه كان يعطيها لتكرم أهلها وتعطيهم، ولكن ذلك لم ينسيها أبا زرع وكرمه، فلما سمع رسول الله رواية عائشة قال لها: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع»
فائدة
ما يستفاد من الحديث هو أن البيت القويم يقوم على التفاهم والمحبة بين الزوجين مما يجعل الحياة أبسط وأيسر وأن المال لا يجلب السعادة كالرضا بالمقسوم.