يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة مريم: “وَ إِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا”، و سوف نفسر هنا مقصد قول الله عز و جلو ان منكم الا واردها.
تفسير السعدي
يقول العلامة السعدي في تفسير قوله عز و جل و ان منكم إلا واردها، أن المقصود هنا هو سائر الخلق أجمعين، و يشمل معنى الآية البار منهم و الفاجر و المؤمن منهم و الكافر، و انهم جميعا سوف يردون إلى النار بلا استثناء، و هذا الحكم حتمه الله على نفسه، و لكن العلماء اختلفوا في تفسير معنى كلمة واردها، و كر السعدي أقوال متعددة، فيقال ان واردها يعني يدخلها، و لكن المؤمنين حين يدخلون إليها ستكون بردا و سلاما عليهم كما كانت النار بردا و سلاما على نبي الله ابراهيم عليه السلام.
و من ما قيل أيضا و ذكره السعدي في كتابه لتفسير القرآن الكريم ان معنى الورود على النار في الآية هو أن البشر أجمعين سيمرون على الصراط، و هذا الصراط موقعه على متن جهنم أي فوقها، و حين يمر الناس على الصراط سوف يمرون من فوق جهنم، و سيمر كل منهم بسرعة تتماشى مع عمله في الدنيا، فمنهم من يمر كلمح البصر، و منهم من يمر كالريح، و منهم من يمر كأجاويد الخيل، و منهم من يمر كأجاويد الركاب، و منهم من يسعى، و منهم من يمشي مشيا، و منهم من يزحف زحفا، و منهم من يخطف فيلقى في النار، كل بحسب تقواه.
تفسير ابو جعفر الطبري
يفسر ابو جعفر الطبري قول الله عز و جل في هذه الآية، أنه ما من احد من الناس إلا وارد جهنم، و هذا أمر أوجبه الله على نفسه وبلغ به رسوله الكريم، واختلف أهل العلم في معنى الورود الذي ذكره الله في هذا الموضع، و ذكر الطبري اقوالهم ايضا في كتابه، و منهم من قال الورود بمعنى دخول النار، و منهم ابن عباس، حيث يروى أنه قال أن الورود هو الدخول، و عندما عارضه نافع و قال لا، فقرأ عليه ابن عباس قول الله عز و جل: “إِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ”، ثم قال ابن عباس لنافع: “أورود هو أم لا؟”، و استكمل ابن عباس بذكر قول الله عز و جل: “يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ” و سأل نافع: ” أورود هو أم لا؟، أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟
و يذكر الطبري عن أبي السليل، عن غنيم بن قيس أنه قال: ذكروا ورود النار، فقال كعب: تمسك النار للناس كأنها متن إهالة، حتى يستوي عليها أقدام الخلائق برّهم وفاجرهم، ثم يناديها مناد: أن أمسكي أصحابك، و دعي أصحابي، قال: فيخسف بكلّ وليّ لها، و لهي أعلم بهم من الرجل بولده، و يخرج المؤمنون ندية أبدانهم، و قال كعب: ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيره سنة، مع كل واحد منهم عمود له شعبتان، يدفع به الدفعة، فيصرع به في النار سبعمائة ألف.
و ذكر الطبري ايضا قول ابن زيد، حيث روى ابن وهب عن ابن زيد أنه قال في قوله وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا، أم معنى ورود المسلمين على النار هو المرور على الجسر بين ظهريها، و ورود المشركين أن يدخلوها، و قد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: “الزَّالُّونَ و الزَّالاتٌ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، و قد أحَاطَ الجِسْرَ سِماطانِ مِنَ المَلائِكَةِ، دَعْوَاهُمْ يَوْمَئِذٍ يا اللهُ سَلِّمْ “، و قال آخرون ان معنى ورود المؤمن هو ما يصيبه في الدنيا من حمَّى و مرض.