هناك الكثير من الناس الذين يعانون من رهاب المهرجين (Coulrophobia) و هي نوع من أنواع الفوبيا ، حيث يكون المصابين بها في حالة ذعر و خوف عند رؤيتهم للمهرجين ، فلا يشعرون بأنهم أشخاص طبيعين أو مضحكين إنما يرونهم مسوخاً يشكلون تهديداً على حياتهم و يجعلونهم غير مستقرين نفسياً ، و قد بحث العلماء و توصلوا إلى بعض الأسباب السيكولوجية التي تكمن وراء تلك الفوبيا الغريبة .
الأسباب وراء الخوف من المهرجين :
– انتشار ظاهرة المهرج القاتل :
هناك ظاهرة انتشرت في الاونة الاخيرة و هي ظاهرة المهرج القاتل ، و التي يقوم فيها عدد من الأشخاص غريبي الاطوار بارتداء زي المهرج و الاقدام على تصرفات غريبة و التي أغلبها كانت لقصد جنائي ، و قد قام بعضهم باقتحام المدارس و إثارة الرعب في نفوس الطلاب ، و ساعد هذا الأمر على انتشار فوبيا المهرجين بشكل كبير .
صنف علماء النفس السيكولوجي هذا الأمر بإسم ” الهستريا الجماعية ” و التي تعني أن عدداً كبيراً من الناس شعروا بوجود خطر يهدد حياتهم جميعاً و ذلك خلال فترة قصيرة ، و قد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على زيادة هذا الامر و ذلك لسرعة انتشار مقاطع الفيديو و الاخبار التي تخص هذه الظاهرة ، مما أدى إلى مضاعفة الشعور بالخوف بين أعداد كبيرة من الناس .
– ابتسامتهم العريضة المفتعلة :
دائماً ما يظهر المهرجين و على وجوههم تلك الابتسامة المرسومة و التي لا يتغير شكلها ، فتظل موجودة طوال الوقت و هي تبدو مفتعلة و غير طبيعية ، فليس هناك شخص عادياً سيظل مبتسماً بهذا الشكل لفترات طويلة ، و تؤثر هذه الضحكة على التفاعل العاطفي فلا يُمكن للأشخاص الذي يرونه تحديد ما إذا كان تعاطفه معهم حقيقياً أم مزيفاً ، و أحياناً تكون الابتسامة غير معبرة عن الحزن أو الفرح مما يصعب تفسيرها و فهمها بشكل جيد .
تُعتبر هذه الابتسامة أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأشخاص يشعرون بالخوف من المهرجين ، حيث يصبح المهرج بالنسبة إليهم شخص غريب و مخيف ، و يعاني الأشخاص المصابين بالفوبيا بأنهم يطيلون التفكير في تلك الابتسامة الغريبة و يتخيلون ما يكمن وراءها من شر ، كذلك تؤثر لون تلك الابتسامة – التي تكون إما حمراء أو سوداء – على زيادة الأفكار المخيفة ، و تخيل هؤلاء المهرجين أنهم يشربون الدماء أو يأكلون البشر .
– شخصياتهم المجنونة و تصرفاتهم الغير متوقعة :
يُعرف عن شخصية المهرج بأنها شخصية مجنونة و عفوية و تقوم بالعديد من الأفعال الغير متوقعة ، و ذلك لمحاولته لإثارة انتباه الجمهور و اضحاكهم مما يجعله يبالغ في بعض تصرفاته و أفعاله ، و قد يشكل هذا الأمر شعور بعدم الأمان و الاستقرار للآخرين ، فمن طبيعة البشر أنهم لا يشعرون بالراحة مع الفوضى و عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث .
كان هناك مقال تم نشرة في مجلة ساينتفيك أمريكان ذكر بأن المهرجين يعكسون شعوراً للناس بأنهم يُمكنهم هجر التصرفات الطبيعية المقبولة اجتماعياً ، و التمتع بالجنون و الحيل الغير مألوفة ، و يعطي هذا الأمر شعوراً بعدم الاستقرار و ذلك لصعوبة التوصل إلى ما يخططون إليه ، و عدم وجود حد بين التصرفات الطبيعية المتوقعة و التصرفات المفاجأة .
– الصدمة النفسية من المهرجين في الطفولة :
أغلب حالات رهاب المهرجين ترجع إلى صدمة تعرض لها الشخص في طفولته ، و تؤثر تلك الصدمة عليه عندما يصبح شاباً فتجعله يربط الماضي بالحاضر ، و عادةً ما تحدث هذه الصدمة في السيرك أو حفلات عيد الميلاد أو غيرها ، حيث يظهر المهرج للاطفال و يبدأ باللعب معهم ، و يحدث شيئاً ما يجعلهم يرونه بطريقة مخيفة و غير طبيعية .
كانت هناك قصة لأمرأة تعاني من فوبيا المهرجين و تقول هذه المرأة أنها كانت متطوعة في أحدى البرامج التليفزيونية في طفولتها و تم اجبارها على البقاء في حضن أحد المهرجين ، و عندما اقتربت منه شعرت برعب شديد كما أن رائحة الكحول كانت تنبعث منه مما جعلها تتقئ ، فبدأ المهرج بشتمها و خرج غاضباً ، و أثر ذلك على نفسيتها كثيراً فصارت ترتعب منهم طيلة حياتها .
– أشكالهم المجهولة و الغير مفهومة :
قام أحد الأطباء في جامعة شيفيلد بانجلترا بعمل بحث عن الأطفال الذين يعانون من فوبيا المهرجين ، و قد أجمع هؤلاء الأطفال أنهم يشعرون بأن المهرجين أشخاص غير طبيعين و يعطون انطباعاً لديهم بالخوف من المجهول ، و يرجع السبب إلى أشكالهم المعقدة و الغير مفهومة ، و كأنهم كائنات فضائية تشكل خطراً عليهم ، و عند معرفة بأنهم بشر عاديين فإن ذلك يجعل الأمر أكثر رعباً لصعوبة تفسير شكلهم .
أوضحت الدراسات التي أجراها الباحث فرانسيس ماكاندرو أن الاشخاص المصابين بهذه الفوبيا يحسون بالخطر عند اقتراب المهرج منهم ، و أن صعوبة فصل الشخصية الحقيقية للمهرج عن شخصيته الهزلية يجعل الأشخاص مشتتين و غير قادرين على التعاطف معهم ، و كثيراً ما يجدونهم بصورة مرعبة .
– ظهور افلام مرعبة عن المهرجين القتلة :
ظهرت خلال السنوات الاخيرة العديد من الافلام التي تناولت قصة المهرجين الذين يقومون بقتل البشر و تخويفهم ، و أثر هذا الأمر على عدد كبير من الناس فبعضهم أصيب بالفوبيا من مشاهدة هذه الأفلام ، كما أن هناك العديد من القصص التي تمت كتابتها عن المهرجين لإظهار الجانب المظلم في حياتهم و الذي يكون بعيداً عن المزاح و الفكاهة و أشهرهم كتاب تشارلز ديكنز الذي كتبه عن حياة المهرج جوزيف غريمالدي .
أوضح هذا الكتاب الجانب المظلم في حياة المهرج جوزيف غريمالدي الذي مات بسبب إدمانه الشديد للكحول ، حيث تكلم فيه عن الجوانب النفسية و المجتمعية للمهرج التي لم يكن الناس من حوله يعرفونها ، و أن ذلك القناع السعيد الذي يرتديه كان خلفه العديد من المآسي ، و على الرغم من ذلك فقد أثار ذلك الكتاب الرعب لدى البعض و قالوا أنه شرارة فوبيا المهرجين ، و ذلك لتعقيد شخصية المهرج و كونها مختلفة عما يراها البعض .
سيغموند فرويد و الخوف من الأشياء الغير مألوفة :
العالم سيغموند فرويد هو أحد أشهر علماء النفس في التاريخ ، و قد قام بشرح أسباب الخوف من الأشياء الغير مألوفة و ذلك في كتابه “The uncanny” ، و قد أعطى مثالاً على هذا الأمر بالانسان مقطوع الطرف حيث قال أن الناس دائماً ما تركز على الأطراف المقطوعة و لا تنظر إلى باقي الجسم و ذلك لكونها شئ غير مألوف بالنسبة إليهم ، مما يجعله أحياناً يظهر بشكل مخيف بالنسبة للاطفال لأنهم لا يستطيعون تفسير ما يرونه .
قام ستيفن جيم – أحد أساتذة علم النفس بجامعة هارفارد – بالاستعانة بنظرية فرويد في تفسير رهاب المهرجين ، حيث قال أن المهرج يقوم برسم أعضاء شبيهه بأعضاء الإنسان الطبيعية و لكنها بشكل مبالغ فيه ، فتكون أنفه و أرجله كبيرة ، و شفاه حمراء عريضة كما أنه وجهه يكون أبيض ، مما يجعل الاشخاص يركزون على الأعضاء المبالغ فيها و الغير مألوفة بالنسبة إليهم ، و يتسبب ذلك في شعورهم بالانزعاج و الخوف .
فوبيا المهرجين تتوقف على نفسية الشخص :
يجب معرفة أن هذه الفوبيا تختلف من شخص لآخر حسب نفسية كل شخص ، و طريقة تقبله لذلك النوع المختلف من الكوميديا ، و في النهاية يجب أن يواجه كل شخص مخاوفه و يتذكر بأن شخصية المهرج ما هي إلا شخصية كوميدية تم ابتكارها لإضحاك الناس و ليس اخافتهم ، فليس كل المهرجين قتلة أو مخيفين ، كما أن هناك الكثير منهم لا يعتمد على المبالغة في تصرفاته .