عن بهز بن حكيم ، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: أتيت النبي صل الله عليه وسلم حين أتيته فقلت: والله ما أتيك حتى حلفت أكثر من عدد أولئك “يعني الأصابع” ألا آتيك ولا آتي دينك، فجمع بهز بين كفيه، وقد جئتك امرؤ لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله تعالى ورسوله صل الله عليه وسلم، وإني أسألك بوجه الله بما بعثك ربك إلينا؟ قال: قال: «بالإسلام»، قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: «تقول أسلمت وجهي لله، وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وكل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران لا يقبل الله من مسلم أشرك بعد ما يسلم عملا، وتفارق المشركين إلي المسلمين، ما لي أمسك بحجزكم عن النار، ألا وإن ربي تبارك وتعالى داعي وسائلي: هل بلغت عبادي؟ وإني قائل: رب قد بلغتهم، فليبلغ الشاهد الغائب، ثم إنكم مدعوون مفدمة أفواهكم بالفدام، ثم إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه»، قال: قلت: يا رسول الله هذا ديننا؟ قال: «هذا دينكم».

مفردات الحديث:
فجمع بهز بين كفيه: حلف بعدد أصابعه العشرة أنه لن يدخل في هذا الدين.
أمسك بحجزكم: والحجزة هي موضع ربط الحزام.
الفدام: الرباط الذي يوضع على فم السقاء أو الإناء حتى لا ينسكب ما بداخله.
مفدمة أفواهكم: مغلق على أفواهكم  والمعنى حتى تشهد عليكم جوارحكم.

شرح الحديث:
كان الكفار والمشركين يحذرون الناس من الذهاب للنبي صل الله عليه وسلم حتى لا يقعوا تحت تأثير كلامه، فكان أحدهم حتى يمنع نفسه من الذهاب إلى النبي صل الله عليه وسلم يحلف على ذلك عدة أيمان، وهو ما فعله ابن حيدة وأبلغ به رسول الله إلا أن الله تعالى شاء أن يهدي قلبه للإيمان، فيقول: إني سائلك بوجه الله يعني أسألك بعظيم الأيمان، أن توضح لي بما بعثك الله إلينا؟ فيرد عليه رسول الله صل الله عليه وسلم: بالإسلام أي بعثني الله إليكم برسالة الإسلام والدعوة إليه، فيرد عليه حيدة: وما هي علامات ذلك الدين؟ أو ما هي شروطه؟ فيقول له رسول الله صل الله عليه وسلم: تقول أسلمت وجهي لله، وتخليت، أي أن تسلم قلبك لخالقك سبحانه تبارك وتعالى، وتوجه وجهك وتستقيم على هذا الدين، فلا تتوجه ولا تلتفت عنه إلى غيره سبحانه، وهو المعنى المقصود من لا إله إلا الله.

ويكمل له رسول الله التعاليم الخاصة بهذا الدين من الصلاة والزكاة والأخوة بين المسلمين وبعضهم فالمسلم أخو المسلم دمه وعرضه عليه حرام لا يخذله ولا يتركه، ثم يقول رسول الله: «وكل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران لا يقبل الله من مسلم أشرك بعد ما يسلم عملا، وتفارق المشركين إلي المسلمين» أي إذا أسلمت فاترك ديار الشرك وائت دار الإسلام وعش مع المسلمين لتعبد الله تعالى بينهم، ولا تكثر سواد المشركين.

وهنا يستعجب رسول الله من أمر المسلمين بقوله: «ما لي أمسك بحجزكم عن النار؟» فهو يخاف عليهم ويمسك بحجزهم حتى لا يفلتون منه ومع ذلك يتفلتون بشركهم وبمعاصيهم فيقعون في النار فيعذبهم، وهنا يبلغهم رسول الله صل الله عليه وسلم أن الله تعالى من أمر تبليغه الدعوة فيشهدهم رسول الله على تبليغه إياهم ما أمره الله به فيقول: « فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم إنكم مدعوون مفدمة أفواهكم بالفدام» أي أن أفواهكم يوم القيامة تغلق حتى تشهد عليكم جوارحكم وإن أول ما يشهد على الإنسان فخذه وكفه، الفخذ ينبئ ويخبر أنه عمل كذا وكذا، ووقع في الحرام بكذا وكذا، وكف الإنسان أخذ مالاً حراماً، وسفك دماً حراماً، وتعاطى حراماً بكذا وكذا، فينطق هؤلاء ولسانه لا ينطق، فيسأله ابن حيدة هل هذا هو الدين الذي أتيت به وأمرك الله بتبليغنا إياه، فيقول رسول الله: «هذا دينكم» تأكيدًا له.