أبو حنيفة النعمان، فقيه وعالم يعد من التابعين لأنه حضر آخر عصر الصحابة ولقى أنس بن مالك رضي الله عنه، كان لأبو حنيفة تلاميذ يتعلمون منه أصول العلوم الشرعية مثل الفقه والحديث، ومنهم تلميذه أبو يوسف الذي كان يحبه ويجله، وتتناول قصتنا موقف أبو حنيفة من أبو يوسف لما أصابه الغرور بعلمه وانقطع عن مجلس معلمه فأراد أبو حنيفة ان يلقنه درس ويعلمه، أنه لا حد للعلم ولا يمكن أن يستغني عنه، وقال مقولته الشهيرة “من ظن أن يستغنى عن التعلم فليبك على نفسه”

أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف:
مرض أبو يوسف مرضًا شديدًا، فعاده أستاذه أبو حنيفة مرارا، فلما صار إليه آخر مرة، رآه ثقيلا فاسترجع “أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون”، ثم قال: لقد كنت أؤمه بعدي للمسلمين ولئن أصيب الناس به ليموتن علم كثير.

ثم رزق أبو يوسف العافية وخرج من العلة، فلما أخبر بقول أبي حنيفة فيه ارتفعت نفسه “أصابها الغرور”، وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلسًا في الفقه، وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة، ولما سأل أبو حنيفة عنه فأخبر أنه عقد لنفسه مجلسًا بعد أن بلغه كلام أستاذه فيه.

اختبار أبو حنيفة لتلميذه أبو يوسف:
أراد أبو حنيفة يعطي أبو يوسف درسًا يعيد له رشده وصوابه فدعا أبو حنيفة رجلًا وقال له: صر إلى مجلس أبي يوسف فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصار ” الرجل يصبغ الملابس” ثوبًا ليصبغه بدرهم، فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب فقال له القصار: مالك عندي شيء وأنكره، ثم إن صاحب الثوب رجع إليه فدفع إليه الثوب مصبوغًا أله أجره؟ فإن قال أبو يوسف: له أجره، فقال له: أخطأت، وإن قال: لا أجر له فقل له: أخطأت!.

من ظن أن يستغنى عن التعلم فليبك على نفسه:
صار الرجل إلى أبي يوسف وسأله المسألة التي طلبها أبو حنيفة، فقال أبو يوسف: له الأجرة قال الرجل: أخطأت، ففكر ساعة ثم قال: لا أجرة له فقال له: أخطأت! فقام أبو يوسف من ساعته ، فأتى أبا حنيفة ، فقال له: ما جاء بك إلا مسألة القصار، قال أبو يوسف: أجل، فقال أبو حنيفة: سبحان الله! من قعد يفتي الناس، وعقد مجلسا يتكلم في دين الله، لا يحسن أن يجيب في مسألة الإجارات؟!. فقال: يا أبا حنيفة علمني.

فقال أبو حنيفة: إن صبغه القصار بعدما غصبه فلا أجرة له؛ لأنه صبغ لنفسه، وإن كان صبغه قبل أن يغصبه، فله الأجرة؛ لأنه صبغه لصاحبه، ثم قال أبو حنيفة منبهًا أبا يوسف: من ظن أن يستغني عن التعلم فليبك على نفسه.

نبذة عن أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة:
هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المشهور بـأبي يوسف [113 هـ-182 هـ] الموافق [731- 798 م]، كان أبوه رجلًا فقيرًا، لا يقدر على تعليمه فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف بالدراهم مائة بعد مائة حتى يتعلم يلزم حلقته ويتعلم،  تفقه أبو يوسف على أبي حنيفة، وأخذ الحديث منه، وتولى القضاء بعده ومنحه هارون الرشيد لقب قاضي القضاة، توفي في عصر الخليفة هارون الرشيد قال الذهبي: «بلغ أبو يوسف من رئاسة العلم ما لا مزيد عليه وكان الرشيد يبالغ في إجلاله».