حرب الوردتين هو الاسم الذي أطلقه الأديب الإنجليزي ويليام شكسبير على أشهر الحروب الأهلية والأشد دموية بإنجلترا والتي استمرت لمدة ثلاثين عامًا وذلك في مسرحيته الشهيرة هنري السادس، وقد دارت أحداث تلك المعركة في مدينة سانت ألبانز عام 1455ميلادية بين جيش الملك “هنري” والذي ينتمي لعائلة اللانكاستر وجيش “ريتشارد” والذي ينتمي لعائلة اليورك  والتي انتهت باعتلاء عائلة ثالثة لعرش إنجلترا في سلسلة من الأحداث الأكثر إثارة ودموية عبر تاريخ انجلترا.

السبب وراء اندلاع حرب الوردتين
” لانكاستر ” و ” يورك ” هما عائلتين إنجليزيتين من سلالة بلانجتين الملكية ويرجع أصلهم إلى الملك إدوارد الثالث، ورغم أنهم ينتمون لنفس الأسرة الملكية إلا أنه في عهد الملك هنري السادس قامت بينهم حرب بسبب أحقية العرش، بدأت الحرب في عام 1422 ميلادية عندما توفى الملك “هنري الخامس” بصورة مفاجئة، وقد كانت وفاة الملك سببًا في انقلاب كل الموازين خاصتاً أن ابنه والذي كان من الطبيعي أن يستلم زمام الحكم بعد والده كان مازال لم يتعدى التسعة أشهر ولذلك كان من الضروري تعيين وصي عليه لحين بلوغه السن المناسبة للحكم، ولم يكن هناك من هو أحق بتلك المهمة من عمه “جون لانكاستر” ولذلك ففي عام 1435 ميلادية تم تتويجه كملك لإنجلترا.

هنرى الثاني ملكًا على العرش
بعد فترة من الزمن توفى الملك جون واستلم هنري الثاني الحكم بعد وفاة وصيه، ولكن كان هناك ما  يقف في طريقه  في السيطرة على الحكم، وذلك بسبب مرضه الذي نقل له عن طريق الوراثة من جده لأمه، فقد كان الملك هنري الثاني يصاب بنوبات من الجنون تجعله ليس مناسباً لإدارة شئون السلطة أو السيطرة على النبلاء الذين لم يحترموا قوانين السلطة الملكية ولم يحترموا حتى قوانين البلاد.

ولكل تلك الأسباب فقد قام بتعيين ابن عمه “ريتشارد دوق يورك” والذي ينتمي لعائلة يورك وصيا عليه وذلك بعد إصابته بنوبة جنون كاملة وذلك في عام1453 ميلادية، وبعد مرور عامان شفي الملك هنري من مرضه فقامت زوجته مارجريت الأنجوية والتي كانت تنتمي لعائلة اللانكستر والتي كانت أيضا القائد الحقيقي لهم بطرد وصيه “ريتشارد دوق يورك” من البلاط الملكي بعد إجباره على ذلك.”

أولى علامات نشوب الحرب
كان يلتف حول الملك هنري مجموعة من المستشارين ممن يرغبون في المنازعات والسعي وراء المخاصمات، وكان من ضمن هؤلاء عمه والذي يدعى “همفري لانكاستر”، ولكن همفري لم يكن يسعى لمصلحة الحكم أو المحافظة عليه ولكن كل ما كان يسعى إليه هو مصلحته الشخصية، ولذلك كان يقوم بالتودد للملك هنري بهدف ذلك، لذلك قرر “ريتشارد دوق يورك” ابن عم الملك والوصي السابق له في الثاني والعشرون من مايو لعام 1455ميلادية بأن يقود جيشه والذي لم يكن كبيرًا وأن يتجه إلى لندن لإبعاد هؤلاء الفسدة من المستشارين من حول الملك.

وفي مدينة سانت ألبانز تقابل الجيشان، جيش الملك “هنري” والذي ينتمي لعائلة اللانكاستر وجيش “ريتشارد” والذي ينتمي لعائلة اليورك ومن هنا كانت بداية المعارك بين العائلتين، وأتخذ اللانكاستر شعار الوردة الحمراء وأتخذ اليورك شعار الوردة البيضاء وانتهت المعركة بفوز جيش “ريتشارد” على جيش الملك واستطاعوا قتل عدد كبير من قادة الجيش الملكي.

إصابة الملك تعود لتقلب جميع الموازين
رغم هزيمة اللانكستر في تلك المعركة ولكن هناك ما جعل اللانكستر يعود ليفرض نفوذه من جديد فبعد انتهاء المعركة تم إيجاد الملك هنري قد أصيب في رقبته ومختبأ في إحدى محلات الدباغة وقد عاد إليه مرضه من جديد وبسبب ذلك عاد اللانكاستر بقوة في البلاط الملكي وعاد ريتشارد ليكون وصياً على الملك من جديد وانشغلت زوجة الملك بالعناية بزوجها المصاب، ولكن وجود ريتشارد داخل البلاط الملكي لم يستمر كثيرا فقد تم طرده من جديد ولكن هذه المرة عن طريق الملك بعد أن استعاد عافيته، وفي شهر فبراير من عام 1456 ميلادية قرر الملك السفر أن يسافر بصحبة زوجته إلى “ميدلاندز” وفي منطقة تدعى “كوفنتري” أقام الملك بلاطه الملكي.

عودة الحرب بين العائلتين من جديد
في عام 1459 ميلادية عادت الحرب لتبدأ من جديد بين “اللانكاستر” و “اليورك” وذلك بعد أن قام رئيس الأساقفة بعمل صلح بينهم في عام 1458ميلادية، ولكن ما ساعد على نشوب نار الحرب من جديد هو ما كان يقوم به أحد النبلاء والذي كان يدعى “وارويك” فقد كان الرجل حليفًا لريتشارد يورك وبسبب تصرفاته التي كانت تصرح بذلك قامت معركة ” بلور هيث ” وتلتها معركة ” جسر لودفورد “.

في المعركة الأخيرة كانت الهزيمة حليفة الدوق “ريتشارد” وجيشه وعودته إلى ويلز، وذلك بسبب انضمام مجموعة من رجال الجيش اليوركي إلى اللانكاستر، ولكن لم تستمر الخسارة كثيرا فقد عاد الجيش اليوركي لينتصر من جديد بعد عام واحد تقريبا، وذلك في معركة ” نورثهامبتون ” والتي لم يخسر فيها اللانكاستر فقط بل أن الملك هنري قد تم أسره في تلك المعركة.

انقلاب أوضاع الحكم
بعد أسر الملك هنري استطاعت زوجته عن طريق مساعدة الملكة لها أن تهرب إلى إسكتلندا مع ابنها وذلك بعد أن أعطتها جيشًا وقام ريتشارد بالمطالبة بالعرش ولكنه فشل في ذلك بعد رفض البرلمان لطلبه وأخبروه بأن عليه الانتظار حتى وفاة الملك “هنري السادس” وبعدها يستطيع ريتشارد الفوز بالعرش.

بعد هرب زوجة الملك قام اللانكاستر بالتجمع بالقرب من مدينة يورك، وقامت هناك معركة ويكفلد والتي قلبت كل أوضاع الحكم، فقد تم قتل “ريتشارد” وتسلم ابنه “ورس إدورد” العرش في مارس من عام 1461 ميلادية وفقًا لقانون الوصاية على العرش، وبذلك فإن الحكم قد أصبح في أيدي العائلة اليوريكية.

ولكن كان هناك من يسعى لعودة الحكم في أيدي اللانكاستر وهو “وارويك” مستشار الملك إدوارد فقد كان يتمنى عودة الملك السادس للحكم، لذلك فهو لم ييأس من ذلك وفي عام 1464 ميلادية استغل خلافه مع الملك إدوارد فقام بمحاربته بمساعدة مجموعة من أعوانه، لكنه في معركة بارنيت التي قامت في عام 1471 ميلادية لم يهزم فقط ولكنه وقع قتيلا، وبعد هذه الحادثة بفترة قصيرة تم إعدام قائد جيش اللانكاستر وذلك في معركة توكسبوري التي حدثة في نفس العام، وبعد أيام قليلة تم انتهاء حكم عائلة اللانكاستر وذلك بعد أن قتل الملك هنري السادس وأصبح العرش ملكا لعائلة اليورك.

تيودور على كرسي العرش
لم تنتهي الأحداث بعد ذلك فبعد أن انتهت المعارك المتكررة بين العائلتين لم يدوم الهدوء طويلا، فقد استولى شقيق الملك “إدوارد” على العرش بعد وفاة أخيه في عام 1483 ميلادية وأطلق على نفسه لقب “ريتشارد الثالث”، ولكنه لم يهنأ بمقعده هذا كثيرا فقد تم ظهور هنري تيودور وهو واحداً من العائلة اللانكاستيرية من جهة الأم، وظهوره هذا كان سببا في نشوب آخر المعارك بين العائلتين، ففي عام 1485 ميلادية حدثت معركة بوسوورث وكانت نتيجة تلك المعركة الختامية انتهاء حكم عائلة يورك بموت الملك ريتشارد، وتم زواج هنري تيودور من ابنة إدوارد الرابع وبهذا تكون بداية حكم جديد لأسرة جديدة وهي أسرة تيودور.

وفي النهاية نجد أن حرب الوردتين تعتبر من أطول الحروب التي مرت بها إنجلترا والتي راح ضحيتها الكثير والكثير من العائلتين للفوز بزمام الحكم، ولكن في الختام لم يصبح العرش من نصيب أحد من الأسرتين وإنما أصبح من نصيب أسرة ثالثة أنهت الخلاف الذي استمر طويلا دون توقف، ورغم ذلك ستظل حرب العائلتين قصة يرويها الأجيال على مر العصور.