التوبة والاستغفار أحد الأبواب التي يسرها لنا الله للخروج من دائرة المعاصي والشهوات عن طريق التوبة والتقرب إليه بالأعمال الصالحة وهي الذكر والاستغفار، وقد جاءت الآيات والأحاديث النبوية التي تدلنا على ذلك، وذلك بأن يعقد العبد العزم على عدم العودة إلى مثل ذلك الفعل وهو المعصية ويعلن توبته أمام الله وليس ذلك عن طريق المجاهرة بها ولكن عن طريق الإحساس بالندم والخزي، وعلى الرغم من وعيد الشيطان وتوعده لنا بالغواية ما دمنا أحياء إلا أن الله تبارك وتعالى يتحداه أنه طالما استغفر العبد وجبته المغفرة، مما يعني لزوم الاستغفار لتحقق المغفرة.
حديث الحث على دوام التوبة والاستغفار :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صل الله عليه وسلم قال : « إن عبدًا أصاب ذنبًا، فقال : رب أذنبت ذنبًا – وربما قال أصبت – فاغفر فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا أو أذنب ذنبًا فقال : رب أذنبت ذنبًا – أو أصبت – آخر فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، أذنب ذنبًا – وربما قال أصبت – أو أذنبت – آخر فاغفره لي، فقال أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثلاثًا فليعمل ما شاء » [حديث صحيح]
هل تجوز المجاهرة بالمعصية استنادًا على الحديث ؟
جاء الحديث في الحث على التوبة والاستغفار في حالة الإتيان بالذنب أو المعصية مما يعني حصول الندم والبحث عن مخرج من عذاب الله، وليس المجاهرة بالمعصية والذي يكون فيه نوع من الكبر، وعدم وجود أي ندم على ارتكابها والإصرار عليها، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : « كل أمتى معافى إلا المجاهر بالمعصية »، مما يعني أن الحديث جاء في حق التائب الندمان على ارتكاب المعصية والذنب فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : « لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون فيغفر لهم ».
إبليس يتوعدنا بالغواية والله يتحداه بالاستغفار :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : « إن إبليس قال لربه: بعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال الله : فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني »، فإبليس يقسم برب العزة أن سوف يتوعدنا بالغواية طالما بقينا أحياء، ولكن رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شيء تجعله ينقذ البشرية من براثن الشيطان ويجعل لهم مخرجًا ألا وهو الاستغفار الذي طالما وقفت ببابه لا تذل قدمك أبدا، وذلك أن رب العزة يقسم بعزته وبجلاله أنه سوف يغفر لبني آدام ما داموا يستغفرون، وعلق المغفرة على الاستغفار مما يعني عدم حصول المشروط إلا بعد وفاء الشرط.
الدليل من القرآن على أن الاستغفار منجي من العذاب :
قال الله تعالى في سورة آل عمران : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[آل عمران: 135 – 136]،
وقال الله تعالى في سورة الزمر : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، ما يؤكد على زوال الذنب بالاستغفار والتوبة عن طريق البعد عن المعصية والعزم على عدم العودة إليها مرة أخرى، حتى تتحقق له السعادة في الدار الأخرة ويحصل على نعيم الجنة.