تعرضت السيدة عائشة رضي الله عنها لمحنة عظيمة فقد اتهمها المنافق عبد الله بن سلول في الصحابي صفوان بن المعطل وصارت المدينة كلها تتحدث عنها وعنه وهي لا تعلم شيئًا وحينما علمت طلبت من الله العون واستعانت به على كل من طعنها بهذه التهمة المنحطة التي تليق بأم المؤمنين وبالفعل برأها الله من فوق سبع سموات وانزل فيها {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11].
الاقتراع من اجل الخروج للغزوة :
كان من عادة رسول الله صل الله عليه وسلم الاقتراع بين نسائه قبل الخروج بإحداهن ومن يخرج سهمها يخرج بها رسول الله، وقد اقترع الرسول للخروج إلى غزوة وقد خرج سهم السيدة عائشة فخرج بها رسول الله، وكانت قد نزلت آية الحجاب، وتم حمل السيدة عائشة في الهودج الخاص بها، وبعد الانتهاء من الغزوة وأثناء التأهب للرجوع غشاهم الليل فقررت القافلة الاستراحة لفترة، فأناخوا البعير وانزلوا الهودج عن البعير وقد انتهزت هذه الفرصة السيدة عائشة التي كانت تريد قضاء حاجتها وبالفعل نزلت من الهودج وذهبت بعيدًا حتى تكون في مأمن من الناس، وبعد أن فرغت من قضاء حاجتها أخذت في طريقها للرجوع وأثناء عودتها افتقدت عقد لها كانت ترتديه فعادت تبحث عنه، وبينما هي تبحث قامت القافلة وأذنوا بالرحيل ولم يكن يعلم أحد عن نزول السيدة عائشة من الهودج فرفعوه إلى البعير مرة أخرى وانطلقوا في طريقهم تاركين السيدة عائشة من ورائهم، وبعد ان وجدت السيدة عائشة العقد همت في طريق عودتها فلم تجد أحد من القافلة فانتظرت في مكانها لعلهم يفتقدوها فيعودوا مرة أخرى لأجلها، وظلت منتظرة حتى غلبها النعاس فنامت.
صفوان بن المعطل السلمي:
كان من عادة العرب ان يخلفوا ورائهم أحد أفراد الجيش يمشي في طريقهم حتى يجد أي شيء قد يفقدوه أثناء رحلتهم وكان صفوان هو ذلك الرجل فقد كان يمشي في أثر القافلة فوجد سواد إنسان نائم، وحينما اقترب منه وجدها السيدة عائشة فعرفها لأنه كان يراها قبل الحجاب فقال بصوت عالي إنا لله وإنا إليه راجعون، ففزعت السيدة عائشة وغطت وجهها، فأناخ صفوان راحلته حتى تركب فيها وتقول السيدة عائشة لم يكلمني قط ولم اسمع منه سوى استرجاعه، وانطلق صفوان بالراحلة حتى لحقوا بالجيش.
المنافق عبد الله بن أبي سلول:
قام المنافق عبد الله بن أبي سلول باتهام السيدة عائشة رضي الله عنها في صفوان بن المعطل وصار ينقل الخبر هنا وهناك حتى تحدث عنه جميع من بالمدينة والتزم الرسول صل الله عليه وسلم الصمت، ولم تكن تعلم السيدة عائشة عما يدور بالمدينة وكانت قد مرضت وظلت على مرضها شهر، ولكنها لم تجد من الرسول الاهتمام والرعاية الذي اعتادت عليه في مرضها، فقد كان صل الله عليه وسلم يدخل عليها فيلقي السلام ثم يسالها عن حالها وينصرف، حتى شفيت وكان من عادة النساء يخرجون ليلًا من اجل حاجتهم وكان ذلك قبل أن تضم الكنف إلى البيوت، فخرجت السيدة عائشة هي وأم مسطح لقضاء حاجتهم، وبعد أن انتهوا تعثرت أم مسطح ووقعت فقالت: تعس مسطح، فقالت لها السيدة عائشة: بئس ما قلت أتسبين رجلًا شهد بدرًا، قالت لها عائشة: وما قال، فأخبرتها أم مسطح بحادثة الإفك.
موقف السيدة عائشة من الاتهام الذي وجه لها:
عادت السيدة عائشة على بيتها وعندما دخل رسول الله صل الله عليه وسلم عليها: استأذنته في ان تذهب إلى بيت أبيها، فأذن لها، فانطلقت إلى بيت أبيها تستيقن الخبر منه، وحينما وصلت سألتهم عما يدور في حقها فقالت لها أمها هوني عليك، وجاء رسول الله إلى بيت أبيها وقال لها : « أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه »، وعندما انتهى رسول الله من كلماته ظلت تبكي السيدة عائشة، وانتظرت من أبيها أو أمها أن يدافعوا عنها إلا أنهم لم يتفهوا بكلمة أمام رسول الله، فقالت السيدة عائشة والله ما اجد مثلًا إلا قول أبي يوسف عليه السلام : {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}، ثم تحولت عنهم واضطجعت وهي تعلم ان البراءة سوف تأتي من عند الله.
البراءة من فوق سبع سموات :
وتقول عائشة أنه ما أن انتهت من كلامها ولم يكن رسول الله خرج من البيت حتى تغشاه الوحي وسال العرق منه على الرغم من أنهم في فصل الشتاء، وظل فترة حتى ظهرت معالم الراحة على وجهه وصار مبتسمًا، وقال : « يا عائشة أما الله عز وجل قد برأك »، فقالت أمها إليها قومي إلى رسول الله فقالت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، وانتشر خبر براءة عائشة بعدما نزلت فيها الآيات القرآنية {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11]