هي قصة من الأثر يرويها لنا عبدالله بن المبارك عن امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن وتستخدم الآيات القرآنية في الرد على جميع أسئلته حتى عجب من أمرها وسأل عن أمرها فأخبروه أنها لم تتكلم بكلمة واحدة من كلام البشر منذ أربعون سنة واتخذت من القرآن والتكلم به سبيلًا للنجاة، فما هو حكم التكلم بالقرآن الكريم واستخدامه عوضًا عن كلام البشر؟
قصة المرأة المتكلمة بالقرآن:
يقول عبدالله بن المبارك خرجت حاجًا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام فبينما أنا في الطريق إذا بسواد فتميزت ذاك فإذا هي عجوز أعرابية تمشي وحدها على بعير لها
فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقالت: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}
فقلت لها: يرحمك الله ماذا تصنعين في هذا المكان؟
فقالت: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}
قال: فعلمت أنها قد أضلت أصحابها فقلت لها: كأنك قد أضللت أصحابك؟
فقالت: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}،
فقلت لها: أين تريدين؟
قالت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا}
قال: فعلمت أنها قضت حجتها وهي تريد بيت المقدس، فقلت: أنت منذ كم في هذا الموضع؟
فقالت: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}.
فقلت: ما أرى معك طعامًا تأكلين.
فقالت: {هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}.
فقلت: إن معي طعامًا فهل لك في الأكل؟
قالت: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
فقلت: ليس هذا شهر رمضان.
فقالت: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}
فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر.
قالت: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
فقلت: لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟
قالت: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
فقلت: من أي الناس أنت؟
قالت: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
فقلت: قد أخطأت فاجعليني في حل.
قالت: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
فقلت لها: هل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة.
قالت: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}.
قال: فأنخت ناقتي.
قالت: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}.
يقول: فغضضت بصري عنها وقلت لها اركبي وأخذت بزمام الناقة وجعلت أسرع وأصيح
فقالت: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}
يقول: فجعلت أمشي رويدًا رويدًا وأترنم بالشعر
فقالت: {اقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ}
فقلت لها: ألك زوج؟
قالت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}
يقول: فسكت ولم أكمل حتى أدركنا قافلة فقلت لها: هذه القافلة من لك فيها؟
فقالت: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
يقول: فعلمت أن لها أولاد فقلت: وما شأنهم في الحج؟
قالت: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.
يقول: فعلمت أنهم أدلاء على الركب فقصدت بها القباب والعمارات، وقلت لها: هذه القباب من لك فيها؟
قالت: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}
يقول: فناديت: يا إبراهيم، يا موسى، يا يحيى، فإذا بثلاثة من الشباب أقبلوا علي ولما استقر بهم الجلوس.
قالت: {بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ}
يقول: فمضى احدهم واشترى لي طعامًا وقدموه لي.
فقالت: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
يقول: فقلت لهم: الآن طعامكم على حرام حتى تخبروني بأمرها.
فقالوا: هذه أمنا منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن.
يقول: فقلت: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
ما هو حكم التكلم بالقرآن الكريم واستخدامه عوضًا عن كلام البشر ؟
يرى العلماء أنه يحرم على الإنسان أن يجعل القرآن الكريم بدلًا من الكلام ولكن يجوز الاستشهاد والاستدلال بالآيات القرآنية على كلام أو قضية معينة، ولأن سيد البشر وأتقاهم سيدنا محمد صل الله عليه وسلم لم يأتي بهذا الفعل، ولا أحد من الصحابة من بعده، ولو كان خيرًا لكانوا أولى به.