لقد جاء القرآن الكريم حاملًا العديد من العِبر والدروس لبني البشر ؛ حيث وردت به العديد من القصص السالفة التي تؤكد أن عقاب الله شديد لمن يخالف أوامره ويتبع هواه ، ومن بين هذه القصص التي تحمل العديد من الدروس المستفادة هي قصة اصحاب السبت الذين خالفوا ما أمرهم به الله تعالى ؛ فعاقبهم الله بالعذاب الشديد حيث مسخهم وحوّلهم لقردة ، وهو من أشد أنواع العذاب.
أصحاب السبت
هم من اليهود الذين كانوا يعتمدون في حياتهم على صيد الحيتان على مدار الأسبوع ، ماعدا يوم السبت لأنه مخصص لعبادة الله تعالى والتضرع إليه ، وكان تخصيص هذا اليوم هو مطلبهم من الله تعالى من أجل التقرب إليه سبحانه ، ولكن الله أراد أن يبتليهم ليختبر قوة إيمانهم ؛ فجعل تلك الحيتان لا تخرج للماء إلا يوم السبت وهو يوم العبادة ، وهنا انقسم اليهود فمنهم من ضعفت عزائمه الإيمانية ومنهم من تماسك بقوة ، وبدأت الفئة الأولى في اصطناع الحيل ؛ حيث أقاموا حواجز وحفر تعمل على حجز الحيتان التي تأتي يوم السبت ثم اصطادوها يوم الأحد.
وبدأ أهل هذه القرية في الانقسام إلى فئة تعصي الله و تصطاد بالحيلة ، وفئة تأمر بالمعروف وتنتهي عن فعل ما يغضب الله تعالى ؛ بينما كانت الفئة الثالثة لا تعصي الله و لكنها لم تحاول أن تُنهي العصاة عن منكرهم ، وقد تحدث عنهم الله تعالى في كتابه العزيز في قوله “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”.
وكان عذاب الله شديد للعصاة ؛ حيث مسخهم قردة ، وقد قال المولى عز وجل “وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” ، وهكذا عاقبهم الله بعذابه الشديد لأنهم لم ينتهوا عن المنكر ، ولم يُذكر مصير أولئك الذين لم يعصوا الله ولم يسعوا إلى النهي عن المنكر.
الدروس المستفادة من قصة أصحاب السبت
هناك العديد من الفوائد والدروس التي يستفيد بها البشر من هذه القصة ، ومن هذه الدروس والعِبر :
تحمل قصة أصحاب السبت العبرة لكل البشر ؛ حيث أنزلها الله تعالى لتكون اعتبارًا بأحوال الأمم الماضية كي لا يتكرر ما فعلوه
إبراز سمات اليهود التي تشتمل على الخبث والمكر والدهاء ؛ فبدوا وكأنهم يتلونون كالحرباء ، وهي صفات مذمومة جلبت لهم الغضب الشديد من الله تعالى
الحذر من اتخاذ نفس مسالك اليهود الذين غلبت عليهم الصفات البذيئة ؛ حيث يجب مخالفتهم وعدم التشبه بهم
من الضروري أن يقوم أهل العلم والإيمان بتقديم الوعظ والنصح لغيرهم من خلال إنكار المنكرات والنهي عنها بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ حيث أن الجدال يجب ان يكون بالتي هي أحسن
يجب كذلك الإصرار على تقديم النصح دون كلل أو ملل ؛ وذلك من أجل الحفاظ على كيان الأمة كما أمر الله سبحانه وتعالى ، ولأن الله تعالى يدفع البلايا عن هؤلاء الذين يسعون إصلاحًا في الأرض ، وفي ذلك قال تعالى “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ”
ويستفاد كذلك من قصة أصحاب السبت أن التخذيل أو التهوين من شأن الإصلاح ليس من سمات المؤمنين ، وقد قال الله تعالى منكرًا هؤلاء ” وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ”.