يُعرف ابن باديس بأنه أحد أشهر المدافعين عن حقوق المسلمين بـ الجزائر وهو مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، وقد ولد في قسنطينة عام 1889م ونشأ في ظل أسرة كريمة امتلكت العراقة والثراء والدين ، وقد حفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره ، ودرس العلوم العربية والإسلامية على يد كبار شيوخ جامع الزيتونة بـ تونس .
مولد ونشأة ابن باديس
كان عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس الابن الأكبر لعائلته ، وقد كانت والدته هي السيدة زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل بن جلول ، ونظرًا للنسب الجليل لوالدته فقد تزوجها والده وهو عبد الحميد الذي كان يعمل مندوبًا ماليًا وعضوًا بالمجلس الأعلى وباش آغا للجهة الشرقية للجزائر ، كذلك عُين والده مستشارًا بلديًا لمدينة قسنطينة ، ومُنح وسام شرف من فرنسا ، مما جعله يحوز بمكانة مرموقة بين الناس والمجتمع .
أحب أبو عبد الحميد بن باديس ابنه كثيرًا ولاحظ نباهته وذكاؤه ، وقد أهتم بتربيته كثيرًا وكان يقوم بتوجيهه دائمًا لما هو أفضل وبالشكل الذي يتلاءم مع فطرته وتطلعاته ، وقد أشاد عبد الحميد بفضل والده عليه ، فقال أنه رباه تربية صالحة ووجهه وجهة صالحة في حياته ، وكان لعبد الحميد ستة إخوة وهم سليم و محمود و الزبير والعربي وعبد الحق وأختاه نفيسة والبتول .
رحلة ابن باديس في طلب العلم
قام ابن باديس بالاتحاق بجامع الزيتونة بتونس عام 1908م ، وقد تلقى العلم هناك على يد كبار العلامين مثل محمد النخلي والشيخ الطاهر بن عاشور ، وقد ظل هناك لمدة ثلاثة أعوام على مقاعد الدراسة ، ثم قام بالتدريس بالزيتونه عامًا آخر جعله يرى بوضوح ما يدور في العالم الإسلامي ، وعُرف عنه أنه كان تلميدًا نجيبًا ومعلمًا عظيمًا يجمع بين العلم والثقافة .
ارتحل ابن باديس إلى الحجاز خلال عام 1913م وذلك من أجل تأدية فريضة الحج ، وعند وصوله إلى المدينة المنورة ، تعرف هناك على عدة علماء عظماء من أبرزهم الشيخ محمد الشير الإبراهيمي ، وبعد ذلك انتقل إلى سوريا ثم لبنان وفي النهاية وصل إلى مصر ، وقد تواصل هناك مع مجموعة علماء مصريين من بينهم الشيخ محمد بخيت المطيعي .
فكر ابن باديس
كان يُعرف عن ابن باديس أنه رجل إصلاحيًا ، وقد كان فكره مستمد من الدين الإسلامي الحنيف ، وقد آمن ابن باديس بمبدأ أن الحل في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي هو تحرير العقل من الجهل الذي زرعه الاستعمار ، وقد أولى اهتمامًا شديدًا بالتعليم الذي يهدف إلى بناء وتغيير العقول ، واجتهد لكي يوفر الجو الملائم لزيادة المعرفة والثقافة لدى الشعب الجزائري كما أنه قام بدمج العمل السياسي في نشاطاته .
أهم أعمال بن باديس
أعماله في مجال التعليم
قام الشيخ ابن باديس بالاتفاق مع الشيخ البشير الإبراهيمي عند لقاؤه معه في المدينة المنورة على بدء حركة علمية عند رجوعهما إلى الجزائر ، وبالفعل حدث هذا الأمر بمجرد رجوعهما ، حيث قام بن باديس بتنفيذ نشاطه التعليمي في المسجد الكبير الذي يقع في مدينة قسنطينة ، ثم انتقل بعد ذلك إلى المسجد الأخضر وباشر دروسه مع مجموعة قليلة من التلاميذ الذين ازداد عددهم تدريجيًا حتى نشأت امدارس فكرية مختلفة في مختلف الأماكن ، وقامت بتخريج العديد من قادة حركة النهضة الجزائرية في ذلك الوقت .
أعماله في مجال الصحافة
قام الاحتلال الفرنسي بإنشاء العديد من الصحف باللغة العربية في الجزائر ، وذلك لكي تساعده على نشر البيانات الرسمية ، إلا أن تلك الصحف كانت مفتقرة إلى التحرير المناسب ، وهنا جاء دور ابن الإدريس الكبير في مجال الصحافة ، فقد قام بنأسيس صحيفة المنتقد عام 1925م والتي كان يسعى من خلالها لإحداث هزة عنيفة في ثقافة وفكر الشعب الجزائري .
أعماله في مجال السياسة
عمل الشيخ عبد الحميد بن باديس على كتابة العديد من المقالات المختلفة التي أكد فيها على ضرورة مشاركة العلماء في العمل السياسي ومدى أهمية هذا الأمر ، وقد استطاع فيما بعد عقد مؤتمر عام كان يضم العديد من الأحزاب والاتجاهات الفكرية بالجزائر ، إلا أنه ظهرت حملة فكرية ضده في ذلك الوقت وعابت عليه وعلى العلماء من حوله مشاركتهم في العمل السياسي ، ولكن تمسك ابن باديس برأيه قائلاً أن سبب تأخر المسلمين عن ركب الحضارة هو إقصاء العلماء عن سدة الحكم .
وفاة ابن باديس
توفي ابن باديس في مسقط رأسه قسنطينة عام 1940م حيث تعرض لمرض مفاجئ أدى إلى وفاته خلال وقت قصير ، وقد تم عمل جنازة تاريخية له في الجزائر ، وتوافيد في تشييعه أهل المدينة جميعهم ، كما شاركهم وفود من كافة أنحاء الجزائر .