سورة يس من سور القران الكريم المكية، وتأتي في الترتيب السادس والثلاثون من المصحف الشريف، وسُميت السورة بهذا الاسم لافتتاحها بهذا اللفظ، وعدد ايات السورة ثلاث وثمانون آية، تضمنت هذه السورة مواضيع كثيرة منها البراهين والأدلة على وحدانية الله والإيمان بحقيقة البعث والنشور، وفي الغالب يُطلق على الربع الأخير فعليًا بآية فنبذناه بالعراء وهو سقيم من سورة الصافات التي تلي سورة يس.

تأملات من سورة يس

من يتوقف في سورة يس يجد بها الكثير من الأمور التي قد لا يلتفت لها الكثيرين، حيث ترتبط سورة يس بالموت والبعض يقرأها يوم الجمعة ، فغالبًا ما يقرأ أهل المتوفي سورة يس يوم الوفاة لعل الله ينفع بها الميت والأوفياء يواظبون عليها عدة أيام بعد وفاة عزيز عليهم، ومن الأمور الهامة في سورة يس قول الله سبحانه وتعالى ” لينذر من كان حيًا “، ولم يقل لينفع من كان ميتًا، وهذا يشير إلى الفائدة التي يغفلها المؤمن الحي من قراءة القرآن وخاصة سورة يس.

وأيضًا قصة القرية التي جاءها المرسلون والتي أوضحتها سورة يس، أن رجلاً من القرية اقتنع بما يدعو إليه المرسلون ، وقام ملهوفًا على قومه ( من أقصى المدينة ) ، جاء يحاور قومه ويدعوهم إلى ما اعتقد أنه سبيل الفوز والسعادة ، جاء يحمل الخير لهم ، جاء فزعاً إلى نضج أفكارهم، جاء بخطاب يمس العاطفة فيستميلها ، ويخاطب العقل فيقنعه، وكانت مكافأته من قومه أن قتلوه ، ليست قتلة عادية ، بل بطريقة حقيرة رديئة لا يزاولها إلا حيوان بريٌ لم يعرف شكلاً إلى التهذيب والتربية، فأشارت بعض التفاسير أن قومه قاموا إليه فركلوه ورفسوه حتى خرج قصه من ظهره.

وجاء بعد ذلك في السورة أيضًا أن هذا الرجل الذي عاقبه قومه قيل له ادخل الجنة، ( قال ياليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )، وهذا يدل على النفس الرحبة الواسعة والتي لم تحمل أي ضغينة على القتلة، بل كانت أول أمنية له فور أن بشر بالجنة لو أن هذا المجتمع القاسي الذي قابل الجميل بالقتل ، لو أنهم يعلمون المنقلب ، لو أنهم يطلعون على الخير الذي أعده الله للصالحين ( ياليت قومي يعلمون )، وهذا يدل على حرصه على الخير لقومه مع ما واجه منهم من ظلم، والتمسك بالرغبة في إصلاحهم مع ما تبين من عنادهم ودعوتهم للخير وتوقف مطالبته بالعمل.

ايات من قلب سورة يس

عند تناول الآيات من الآية 37 إلى الاية 40 نرى أن تلك الآيات تتعرض لايات الله في الليل والنهار والشمس والقمر، بالإضافة إلى الايات من 77 إلى 80 والتي تدحض أقوال منكري البعث بايات الله في هذا الكون البديع، ففي الاية الأولى من الأربعة ” واية لهـم الليل نـسلخ منه النهـار  فٌإذا هم مظلمون، والشمس تـجرى لمـستقر لهـا ذلك تقدير العزيز العليم، والقمـر قدرنـاه منـازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهـار وكل في فلك يسبحـون ” صدق الله العظيم.

تصف تلك الاية عملية تعاقب الليل والنهار، فالأرض في أي لحظة أو توقيت يكون نصفها معرض لآشعة الشمس ونورها والنصف الاخر بعيدًا عن الشمس أو النجوم ويرقد في ظلام يشمل الكون كله، وتوحي تلك الاية إلى حقيقة عليمة رآها وراد الفضاء مؤخرًا وجاءت في الإعجاز القراني، وهي أن الظلام هو الأصل وأن الحادث هو النهار، فالنهار هو الذي ينسلخ من الأرض فتنغمر الأرض في ظلام الكون المنير الذي شمله ضوء الشمس رويدًا رويدًا.

تلك الاية توضح أيضا قاعدة علمية لحساب اليوم الكامل وتبين حكمة الخالق، وهو الفرق الثابت بين كل انسلاخين للنهار أو زوالين أو غروبين للشمس، فنلاحظ أن الفرق ثابت لا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الفصول والشهور والسنوات، وهذا الإنسلاخ لا يأتي إلا إذا كانت الأرض تدور حول نفسها في ثبات كامل أمام الشمس بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار، ونظرًا للترتيب بين الليل والنهار استطاع البشر أن ينظموا أوقاتهم وحياتهم، وذلك بالتدبر في آيات الله سبحانه وتعالى.

إعجاز حركة الشمس

توضح آية ” والشمس تجرى لمستقر لهـا ذلك تقدير العزيز العليم “، إعجاز حركة الشمس وكيف جعلها الله في جري دائم حتى تستقر في نهاية الأمر طبقًا لأوامر خالقها، فاعتقد العلماء في القرن الماضي أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة في حجمها وكتلتها ومكانها وأن كل شيء يتحرك حولها واعتقدوا بقاء المادة وعدم نفاذها، ولكن آتت تلك الآية لتبين الإعجاز منذ 14 قرن من الزمان أن ما يجرى لكل شيء في الكون يجرى على الشمس و على المادة وعلى الزمان أيضا.

فليحرص كل مسلم إلى العودة إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح والدعاء والاستغفار والحرص على قراءة القران الكريم وخاصة سورة البقرة و اية الكرسي لما لهما من فضل عظيم، والحرص على قول دعاء سيد الاستغفار ” اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”، من قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة و من قالها من الليل و هو موقنًا موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. (رواه البخاري).