كان الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة من بني بكر (توفي سنة 74 ق. هـ. – 550 م) من أهم وأحكم أسياد قبائل العرب ، كان شاعر قوي وصارم ، وفارس مغوار. اشتهر بالحكمة وحبه للتسامح والسلام وكرهه للحروب والمعارك، والتوسط لقومه وحل المشاكل فيما بينهم ، وشهد الحارث على مقتل كليب بن ربيعة التغلبي على يد جساس البكري ، و أيضًا حرب البسوس التي قامت بين بين تغلب وبكر، ولكنه سعى وجاهد من اجل حل الخلاف بين الطرفين والعمل على زرع روح السلام والتصالح طوال فترة الحرب التي دامت أربعين عاماً.
حياة الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
كان الحارث بن عباد يتسم بالعقل والحكمة والهدوء في اتخاذ القرارات والتصرفات حتى وبعد أن قتل المهلهل ابنه بجير لم يريد أن يرد العنف بالعنف وأيضا في موضوع الخلاف والحرب التي كانت بين كل من تغلب و بكر اختار السلام وذلك ليس لضعف أو فقدان لسيطرة أو لقوة ولكن من أجل السلام النفسي والراحة النفسية.
ماذا عن ابنه بجير
كان للحارث بن عباد ابن وحيد يسمى بجير، أرسله إلى المهلهل بن ربيعة أخو كليب بن ربيعة وذلك من أجل حقن دماء القبائل ولتهدئة الحرب بين الطرفين ، فقتله المهلهل وذلك جعل الحارث بن عباد يخرج ويعتزل الحرب نهائيا حزنا على وفاة وحيده ، ويتأهب لقتال المهلهل ولكنه كان أعمى في ذلك الوقت وقام المهلهل بكسر ظهره لينتهي ذلك بأن يعطيه الأمان . وبعدها عاش أواخر حياته هو وأولاده وسط قبيلته بكر .
ما هي قصة الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
أراد الحياد والسلام ولكنه طوال حياته ظل مجبور على القتال وخوض المعارك مع أبناء قبيلته ورفضه لقتل كليب بسبب ناقة كان بسبب رغبته في السلم ورفضه للحرب حيث أنه كان دائما سيد عشيرته وحكيم قبيلته ولكن لم يكن للمهلهل نفس الرأي حيث أنه أراد أن تمتد الحروب بين القبيلتين وان لا يتركه ينعم بالسلام النفسي الذي اختاره وأراد أن يشعل نيران الحرب و أن يوصلها إلى كل بيت. وقال:
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ حُلاَّمْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ هَمَّامْ
وعندما خرج بجير ابن الحارث ليرعى أغنامه أحكمت عليه أيْدي المهلهل ، ولكنه خاف وقال أنَّ أباه اعتزل الحرب بين تغلب وربيعة. وقام امرؤُ القَيس حينها بنصح المهلهل بعدم قتْل بجير، وذكره أنَّ أباه اعتزل الحرب ، ولكن المهلهل لم يترك الفتى وقام بقتله بكل أريحية وعندما ذهب الناس لإخبار الحارث بقتل المهلهل لابنه ووحيدة ، قام الرَّجل ووقف على رجلَيْه صامدا ، وقال قصيدته المشْهورة، والَّتي اقتصت منها هذه الأبْيات:
قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامَةِ مِنِّي لَقِحَتْ حَرْبُ وَائِلٍ عَنْ حِيَالِ
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّه وَإِنِّي بِحَرِّهَا اليَوْمَ صَالِ
لا بُجَيْرٌ أَغْنَى قَتِيلاً وَلا رَهْطُ كُلَيْبٍ تَزَاجَرُوا عَنْ ضَلالِ
قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامَةِ مِنِّي إِنَّ قَتْلَ الغُلامِ بِالشِّسْعِ غْالِ
كانت هذه القصيدة بكل تفاصيلها بمثابة إعلان صريح للحرب حيث أمر الحارث جنوده بأن يحملوا مهنم نسائهم وذلك ليقوموا برعايتهم وتضميد جروحهم وليناولوهم الطعام والشراب وليقتلوا أعدائهم من القبيلة الأخرى ولكن سأل أحد رعاياه كيف ستعرفنا نسائنا وتميزنا عن الرجال الآخرين وكانت إجابته أنهم سيقومون بحلاقة شعرهم ولذلك سمي هذا اليوم ب”تحلاق اللمم”.
وقال قصيدة مشهورة في هذا اليوم:
سئلوا عَنَّا الَّذِي يَعْرِفُنَا بِقُوَانَا يَوْمَ تَحْلاقِ اللِّمَمْ
نَزَعُ الجَاهِلَ فِي مَجْلِسِنَا فَتَرَى المَجْلِسَ فِينَا كَالحَرَمْ
ثم تمر اللحظات وأحداث الحرب ليثبت لنا حكمة وطيبة قلب الحارث بن عباد فأثناء الحرب قام بأسر أحد الشباب من قبيلة العدو وذلك ليسأله على مكان عدى بن المهلهل وذلك ليثأر لقتل ابنه جبير ولكن شرط عليه هذا الشاب أن يقدم له الأمان قبل أن يعطيه إجابته على سؤاله وبالفعل أعطاه الأمان وإذا به يعترف أنه هو “عدي” الذي يبحث عنه فلم يجد الحارث مفر من تنفيذ الشرط وترك الشاب ليفر هاربا أمام تعجب وتساؤل كبير من أبناء قبيلته ولكنه أجابهم من خلال هذه الأبيات:
لَهْفَ نَفْسِي عَلَى عَدِيٍّ وَلَمْ أَعْ رِفْ عَدِيًّا إِذْ أَمْكَنَتْنِي اليَدَانِ
قصة أخرى للحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
للحارث قصة أخرى تنم عن مدى قوته وصواب عقله وحكمته وهي أن بعد أن قام بتطليق أحد نسائه لتتزوج من رجل أخر ليقوم هذا الرجل بزيارته بعد ذلك ويحدثه قائلا بأنها فضلته عنه ولكن لم يجد الحارث إلا أن رد عليه ببضع كلمات قليلة ولكنها تحمل الكثير والكثير في طياتها وهي”عِشْ رجبًا ترَ عجبًا”، وفي هذا المثل حذف وبلاغة، فهو في الأصل “عش رجبًا بعد رجب ترَ عجبًا”وظل الحارث مشغول بأمور قتال أعدائه حتى قام اثنان من مساعديه بقتله بدماء باردة لتتذكره القبائل وترثيه على أن كان من أفضل الرجال الأقوياء في هذا العصر.