الحارث بن عباد بن قيس بن ثعلبة البكري، هو حكيم وشجاع في عصر الجاهلية، اشتهر بأشعاره، وحضر حرب البسوس لكنه اعتزلها، وهي حرب قامت بين كلا من : قبيلة تغلب بن وائل وقبيلة بني شيبان، والسبب فيها كان قتل الجساس بن مرة الشيباني البكري لكليب بن ربيعة التغلبي، وكان يثأر لخالته البسوس من قبيلة بني تميم، ويقال أنها استمرت 40 عام، وأقوال أخرى تقول أنها استمرت أكثر من 20 سنة .
علاقة الزير سالم بالحارث بن عباد
قصة الزير سالم مع الحارث بن عباد تتلخص في أن الزير سالم وهو عدي بن ربيعة، قتل ولد الحارث الذي يدعى بجير، فثار الحارث ونادى بالحرب، وارتجل من حينها قصيدته المشهورة، التي تكرر فيها قوله : قربا مربط النعامة مني أكثر من خمسين مرة .
أشعار الحارث بن عباد
والحرب لا يبقى لجاحمها
وَالحَربُ لا يَبقى لِجاحِمِها التَخَيُّلُ وَالمِراحُ
إِلّا الفَتى الصَبّارُ في النْنَجداتِ وَالفَرَسُ الوَقاحُ
هل عرفت الغداة رسما محيلا
هَل عَرَفتَ الغَداةَ رَسماً مَحيلا
دارِساً بَعدَ أَهلِهِ مَجهولا
لِسُلَيمى كَأَنَّهُ سَحقُ بُردٍ
زادَهُ قِلَّةُ الأَنيسِ مُحولا
زَعزَعَتهُ الصِبا فَأَدرَجَ سَهلاً
ثُمَّ هاجَت لَهُ الدَبورُ نَحيلا
فَكَأَنَّ اليَهودَ في يَومِ عيدٍ
ضَرَبَت فيهِ رَوقَشاً وَطُبولا
وَاِمتَرَتهُ الجَنوبُ حَتّى إِذا ما
وَجَدَت فَودَهُ عَلَيها ثَقيلا
ثُمَّ هالَت عَلَيهِ مِنها سِجالاً
مُكفَهِرّاً فَتَستَقيهِ سَجيلا
وَتَذَكَّرتُ مَنزِلاً لِرِبابٍ
أَنَّهُ كانَ مَرَّةً مَأهولا
غَيرَ أَنَّ السِنينَ وَالريحَ أَلقَت
تُربَةُ في رُسومِهِ مَنخولا
سَفِهَت تَغلِبٌ غَداةَ تَمَنَّت
حَربَ بَكرٍ فَقُتِّلوا تَقتيلا
غَيرَ أَنّا قَدِ اِحتَوَينا عَلَيهِم
فَتَرَكناهُم بَقايا فُلولا
أُذكُروا قَتلَنا الأَراقِمِ طُرّاً
يَومَ أَضحى كُلَيبُها مَقتولا
وَقَتَلنا عَلى الثَنِيَّةِ عَمراً
وَجَلَبنا عَدِيَّهُم مَغلولا
وَعَدِيٌّ طَحى إِلى النِمرِ مَنّا
فَأَقَمنا لِلنِمرِ يَوماً طَويلا
آلَ عَمرٍو قَدِ اِنتَقَمنا بِضَربٍ
يَدَعُ المُردَ حينَ يَبدو كُهولا
وَبِطعنٍ لَنا نَوافِذَ فيهِم
كَفُواهِ المَزادِ يُروي الشَليلا
وَزَحَفنا إِلى تَميمِ بنِ مُرٍّ
بِجُموعٍ تَرى لَهُن رَعيلا
فَأَصبَحنا الَّذي أَرَدنا وَزِدنا
فَوقَ أَضعافِ ما أَرَدنا فُصولا
وَنَصَبنا لِقَيسِ عَيلانَ حَتّى
ما أَرَدنا قَبائِلاً وَخُيولا
حينَ شَدّوا عَلى البَريدِ العَذارى
إِذ رَأَونا قَبائِلاً وَخُيولا
في بَياضِ الصَباحِ يُبدينَ شِقّاً
كَسعالٍ تُبادِرُ الصِرَّ عيلا
فَاِسأَلوا ضَبَّةَ بنَ كَلبٍ وَأَوداً
تُخبَروا أَنَّنا شَفَينا الغَليلا
مِنهُم حينَ يَصرُخونَ بِكَعبٍ
وَبِذُهلٍ وَكانَ قَدماً نَكولا
وَطَرَدنا مِنَ العِراقِ إِياداً
وَتَركنا نَصيبَهُم مَرسولا
ثُمَّ أُبنا وَالخَيلُ تَجنِبُ شُعثاً
كَالسَعالى عَفائِفاً وَمُحولا
سَلِساتِ القِيادِ كُمتاً وَدُهماً
وَوِراداً تَرى بِها تَحجيلا
كُلُّ قَومٍ نُبيحُهُم وَحِمانا
قَد مَنَعناهُ أَن يُباحَ سَبيلا
وَكُلَيباً تَبكي عَلَيهِ البَواكي
وَحَبيبٌ هُناكَ يَدعو العَويلا
وَاِسَأَلوا كِندَةَ المُلوكَ بِبَكرٍ
إِذ تَرَكنا سَمينَهُم مَهزولا
وَأَسَرنا مُلوكَهُم يَومَ سِرنا
وَأَذَقنا الأَعداءَ طَعماً وَبيلا
وَأَرَدنا لِتَغلِبٍ يَومَ سوءٍ
وَقَتَلنا مِنهُم قَبيلاً قَبيلا
وَنَزَلنا بِوارِداتٍ إِلَيهِم
فَتَوَلَّوا وَلَم يُطيقوا النُزولا
وَتَرَكنا لِلخامِعاتِ شَباباً
جُزُراً تَعتَفيهِم وَكُهولا .
حي المنازل أقفرت بسهام
حَيِّ المَنازِل أَقفَرَت بِسِهامِ
وَعَفَت مَعالِمُها بِجَنبِ بِرامِ
جَرَّت عَلَيها الرامِساتُ ذُيولَها
وَسِجالَ كُلِّ مُخَلخَلٍ سجّامِ
أَقوَت وَقَد كانَت تَحُلُّ بِجوِّها
حورُ المَدامِعِ مِن ظِباءِ الشامِ
تَرَكَتكَ يَومَ تَعَرَّضَت لَكَ بِاللِوا
دَنَفاً تُعالِجُ لَوعَةَ الأَسقامِ
إِنَّ الأَراقِمَ أَصبَحَت مَسؤولَةً
بِقَرارَةٍ لِمَواطِئِ الأَقدامِ
تَرَكَت ظُباة سُيوفِنا ساداتِهِم
ما بَينَ مَصروعٍ وَآخَرَ دامي
لا تَحسَبَنَّ إِذا هَمَمتَ بِحَربِنا
أَنّا لَدا الهَيجاءِ غَيرُ كِرامِ
وَلَقَد عَلَمتَ وَأَنتَ فينا شاهِدٌ
وَسُيوفُنا تَفري فُروعَ الهامِ
أنّا لَنَمنَعُ بِالطِعانِ دِيارَنا
وَالضَربُ تَحسَبُهُ شِهابَ ضِرامِ
فَوقَ الجِيادِ شَواخِصاً أَبصارُها
تَعدو بِكُلِّ مُهَنَّدٍ صَمصامِ
ضَمِنَت لَها أَرماحُنا وَسُيوفُنا
بِهَلاكِ تَغلِبَ آخِرَ الأَيّامِ
وَإِذا الكِرامُ تَذاكَرَت أَيّامَها
كُنتُم عَلى الأَيّامِ غَيرَ كِرامِ
فَاِسأَل لِكِندَةَ حينَ أَقبَلَ جَمعُها
حَولَ اِبنِ كَبشَةَ وَاِبنِ أُمِّ قَطامِ
مَلِكانِ قَد قادا الجُيوشَ وَأَثخَنا
بِالقَتلِ كُلَّ مُتَوَّجٍ قَمقامِ
رَجَعا وَقَد نَسِيا الَّذي قَصَدا لَهُ
وَالخَيلُ تُقرَعُ مِثلَ سَيلِ عُرامِ
وَجَرى النَعامُ عَلى الفَلاةِ جَوافِلاً
تَبغي الرِجالُ بَوادِرَ الأَعظامِ
وَوَجَدتَّ ثَمَّ حُلومَنا عادِيَّةً
وَكَأَنَّ أَعدانا بِلا أَحلامِ
أَفَبَعدَ مَقتَلِكُم بُجَيراً عَنوَةً
تَرجونَ وِدّاً آخِرَ الأَيامِ
كَلّا وَرَبِّ الراقِصاتِ إِلى مِنّي
كَلّا وَرَبِّ الحِلِّ وَالإِحرامِ
حَتّى تُقيدونا النُفوسَ بِقَتلِهِ
وَتَروموا في الشَحناءِ كُلَّ مَرامِ
وَتَجولَ رَبّاتُ الخُدورِ حَواسِراً
يَبكينَ كُلَّ مُغاوِرٍ ضَرغامِ .
لقد شهدت حقا سدوس بأنني
لَقَد شَهِدَت حَقّاً سَدوسٌ بِأَنَّني
أَنا الفارِسُ المُعتادُ قَطعَ الحَناجِرِ
تَلَقَيتُ نَصراً وَالمُعَمَّرَ بَعدَهُ
وَأَردَيتُهُ كَرهاً بِرَغمِ المَناخِرِ
وَسَوفَ يَرى مَنصورُ منّا عَجائِباً
يُعَدِّدُ ذِكري في جَميعِ المَحاضِرِ
وَلا بُدَّ مِن غِبرٍ يُتابِعُ غِبرَهُ
وَيَتبَعُ أَولاداً وَشيكاً بِآخَرِ
ظَنَنتُم سَدوسٌ إِذ قَتَلتُم والِدي
وَتِسعَةَ إِخواني أُمَدُّ بِعاشِرِ
فَهَلّا عَلِمتُم أنَّ حَولي فِتيَةً
تَصولُ عَلى بيضِ السُيوفِ البَواتِرِ .
لهف نفسي على عدي
لَهفَ نَفسي عَلى عَدِيّ وَلَم أَعرِف
عَدِيّاً إِذ أَمكَنَتني اليَدانِ
طُلَّ مَن طُلَّ في الحُروبِ وَلَم يُطلَل
قَتيلٌ أَباتَهُ اِبنُ أَبانِ
فارِسٌ يَضرِبُ الكَتيبَةَ بِالسَيفِ
وَتَسمو أَمامَهُ العَينانِ .