لا شك في كون الزواج علاقة تنشأ بين العائلات ببعضها، لا فقط بين الزوج والزوجة، وعلى هذا الأساس يكون هناك الكثير من التوابع التي تؤثر في علاقة الزوج بالزوجة. فهناك أزواجًا يطالبون زوجاتهم بخدمة أبيهم أو أمهم، وبالتالي قد تعترض الزوجة وتنشأ الخلافات بين الطرفين، ما يجعلنا ننتقل إلى هذا السؤال : ما هي واجبات الزوجة تجاه أهل زوجها ؟ وهل على الزوجة خدمتهم أم لا؟ وهل يختلف الأمر بالنسبة للزوج مع أهل زوجته ؟
مبدئيًا، تعد الإجابة القاطعة في ضوء إرشادات القرآن الكريم والسنة هي: إن الزوجة لا تتحمل مطلقًا أي واجب أو مسؤولية يحملها لها الإسلام تجاه عائلة زوجها أو تجاه زوجها، بما في ذلك الآباء، والأزواج، والأخوة، والأخوات، والأعمام، والعمات، وما إلى ذلك. والمسؤولية الوحيدة والواجب الوحيد الذي فرضه الإسلام على الزوجة المؤمنة هو فقط التأكد من أن زوجها مسرور وراض عنها في كل جانب من جوانب حياتها.
وبالتالي، إذا كانت الزوجة امرأة مؤمنة تعبد الله سبحانه وتعالى، لأنه يستحق وحده أن يعبد، وكانت تحافظ على عفتها، وتسعى جاهدة لتحقيق أقصى قدر من قدرتها على إرضاء زوجها، فقد أشار رسول الله إلى أنها ستُمنح الشرف لدخول حدائق الجنة الأبدية من خلال البوابات التي تختارها.
فقد رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : “إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ”.
كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجة وعائلة الزوج؟
بعد أن قلنا إن الزوجة لا تتحمل أية مسؤولية تجاه عائلة زوجها، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أو يدل على أنها مسموح لها بأن تكون وقحة أو غير محترمة عهم بأي شكل من الأشكال. فيجب عليها في جميع الأوقات أن تسعى جاهدة لتطوير علاقات ودية مع أصهارها (عائلة زوجها).
ولكن إذا كانت المرأة المؤمنة تقوم، بمحض إرادتها، بخدمة والدي زوجها أو عائلة زوجها، فهنا المرأة تقوم بعمل إحسان، وهو عمل يتجاوز واجباتها ومسؤولياتها المقررة؛ وقد أعلن الله سبحانه مرارًا وتكرارًا في القرآن الكريم إنه يحب المؤمنين الذين يفعلون الإحسان أو الأعمال التي تتجاوز دورهم في أداء الواجب والمسؤولية.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم، في سورة آل عمران الآية 134: “لأن الله يحب المحسنين”، ويقصد بالمحسنين (أولئك الذين يقومون بالأعمال التي تتعدى آداء الواجب).
ويقول الله تعالى في القرآن الكريم في سورة آل عمران الآية 148: “فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم الفصل في سورة البقرة الآية 195: “وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
جزاء خدمة الزوجة لعائلة زوجها
فكما قلنا، إن الزوجة في الإسلام ليست ملزمة تمامًا برعاية أو خدمة والدي زوجها أو عائلته؛ وتعد الرعاية أو الخدمة، التي يتم تقديمها للوالدين، إحسانًا لهما طالما كان نابعًا من رغبة الزوجة، وليس للزوج أن يطلب منها خدمة أهله. لكن إذا رغبت الزوجة، بمحض إرادتها وخيارها، في تجاوز واجباتها المقررة، وفي خدمة والدي زوجها، أو أفراد أسرة زوجها، فإنها تقوم بعمل الإحسان حينها، والله سبحانه وتعالى يحب كثيرًا أولئك الذين يفعلون الإحسان أو الأفعال فوق واجباتهم المقررة. لذا؛ إذا رُزق الزوج بزوجة تقوم بعمل الإحسان وتخدم والديه، فيجب عليه أن يكون ممتنًا وشاكرًا لها على إحسانها وكرمها، للأن تقديم الخدمات للأصهار لا يندرج بين الواجبات والمسؤوليات المقررة على الزوجة.
هل يختلف الأمر بالنسبة للزوج مع أهل زوجته؟
مثلما لا تتحمل الزوجة في الإسلام أي واجبات ومسؤوليات بخلاف تطوير والحفاظ على علاقات ودية جيدة مع أصهارها، فإن الزوج في الإسلام أيضًا لا يتحمل أي التزام أو مسؤولية تجاه عائلة زوجته سوى تطوير علاقات ودية جيدة والحفاظ عليها معهم. ونفس الحال، إذا اختار الزوج، بمحض إرادته، أن يخدم أو يعتني بوالدي زوجته أو عائلتها، فسوف يقوم بعمل جليل للغاية من الإحسان في إرضاء الله سبحانه وتعالى ؛ وعلى الزوجة أن تقدر هذه البادرة الحسنة لزوجها وأن تكون ممتنة وشاكرة له.
كيف يمكن تحقيق العدل في ميزان الحق؟
وأخيرًا، للمؤمن واجبات ومسؤوليات عديدة تقع عليه في الإسلام، وأولًا وقبل كل شيء واجباته تجاه ربه الخالق، وحقوقه عليه. ومن ثم الحقوق المستحقة لوالديه منه، ثم لزوجته وأولاده وأفراد أسرته وجيرانه، إلخ. ويعد التعامل بالتقوى والفضيلة هو ضمان تحقيق التوازن في حقوق كل فرد، دون التأثير على حقوق الآخر أو اغتصابها. وهذا يعني إنه إذا كان هناك أحد الأفراد منخرطًا في إعمال حقوق أي طرف (في هذه الحالة إذا اهتم الزوج بحقوق والديه على حساب زوجته أو بحقوق زوجته على حساب والديه)، فإن حقوق الطرف الآخر تُغتصب. وسيُحاسب حتمًا على ظلمه وإهماله أمام ربه المهيب العادل، في يوم القيامة.