شهد القرن التاسع عشر حالة ازدهار كبيرة في مجالات الأدب والإبداع ، وذلك بسبب الاحداث السياسية المختلفة التي طالت كل أنحاء العالم تقريباً كالحروب العالمية واحتلال بعض الدول للأخرى ، وأيضاً الدول التي شهدت الاستقلال ، مما جعل الروايات الأدبية تسرد بعض الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها الأفراد في ذلك الوقت وتأثيرها على حياتهم الاجتماعية .
رواية سفينة الموت
اختار الكاتب الألماني ب. ترافن أن يتحدث عن مشكلات المجتمع الاوروبي ولكن منظور عامل على أحد السفن الكبيرة التي كانت تستخدم لنقل عدد كبير من الأشخاص في رحلات بحرية طويلة أو لنقل البضائع ، وكان يطلق عليها اسم (سفن الموت ) بالنسبة للعاملين عليها ، حيث كانت مهنة البعض منهم هي مد السفينة بالفحم بشكل مستمر داخل الجزء الأسفل ، اعتقد أني من الممكن أن اذكركم بمشهد عمال الفحم الذي ظهر في الفيلم الاجنبي الشهير (تيتانك) وكيف كانت حياتهم داخلها ، حيث المكان اضيق وحالات التسمم التي تحدث لبعضهم بسبب استنشاق الفحم الذي يحتوي على (ثاني أكسيد الكربون ) المسمم للهواء.
وتبدأ الرواية عندما يصل البحار الامريكي جيرالد غايل وهو بطل الرواية إلى أحد المواني الأوروبية ، ويخرج من سفينته لقضاء جولة في الميناء ، ولسوء حظه الشديد تتحرك سفينته قبل وصوله حاملة معها حقيبته الخاصة التي تحتوي على الأوراق الرسمية الخاصة به كلها ، فتتحول حياته تماماً في هذه اللحظة وكأنه بفقد أوراقه يفقد هويته الشخصية ، ويجد البطل نفسه في ميناء بلد غريب لا يعرف بها أحد كما أنه لا يمتلك أي أموال لشراء طعام أو شراب ، وبعد انتظار عودة سفينته التي بكل تأكيد لن تعود ورحلة بحث قوية على كل مراسي الميناء ولم يجد شيء .
ويقرر البحار في الأخير أن يبحث عن أي عمل يوفر لها ثمن الطعام والشراب لكي يبقى على قيد الحياة ، فيعمل داخل أحد السفن الخاصة بنقل الفحم في مناخ مخالف تماماً لطبيعة حياة الشاب المرفهة ، ويصف لنا الكاتب مدى قذارة المكان الذي يعيش فيه الشاب داخل السفينة ، حيث الرائحة النتنة وبقايا الطعام التي يشاركه في تناولها الفئران ، وطبيعة عملها الذي ترغمه على مواصلة العمل لمدة ستة عشر ساعة يومياً .
ومن خالا روايته (سفينة الموت ) يتحدث الكاتب ب. ترفن عن ما وصل له حال المواطن الاوروبي بعد الثورات ، وكيف أصبحت كل حياته عبارة عن مجموعة أوراق بدونها سيتحول إلى شخص أخر ، وكذلك المعانة التي يعيشها المواطن الأوروبي بسبب البيروقراطية .
نبذة عن الكاتب
ب . ترافين ( وهذا اسم مستعار لا أحد يعلم الاسم الحقيقي للكاتب ) هو واحد من بين أهم الكتاب في ألمانيا خلال القرن التاسع عشر ، وعلى الرغم من أن المعلومات المتوفرة عن الكاتب قليلة جداً وكلها محل نزاع بين المهتمين بالبحث في الأدب الأوروبي ، مما دفع المؤرخ رولف ريكناغل إلى تأليف كتاب تحت عنوان ( السيرة الذاتية لترافن ) أن يبحث جيداً لتجميع أي معلومات حول الكاتب ، وتوصل في الاخير بحسب روايته أن الممثل المسرحي الألماني ريت ماروت هو نفسه ب. ترافن ، ويقول المؤرخ أن الكاتب ولد عام 1882 مما جعلها شاهد عيان على احداث الحرب العالمية في أوروبا ، وتأثيرها على حياة المواطنين وكيف اختلفت حياتهم تماماً من حال إلى حال ، وخلال حديثه عن الحياة الأوروبية .