قصة المؤذن وجارية سليمان بن عبدالملك، من كتاب “المستجاد من فعلات الأجياد” للقاضي المحسن بن علي التنوخي، هي قصة عن الورع والزهد والتمسك بالقيم والأخلاق وعدم الوقوع في منعطف الشهوات مهما كانت المغريات، فالمؤذن على الرغم من أن الجارية لفتت أنظاره وقد يكون الشيطان جملها وزينها في نظره إلا أنه عندما عرضت عليه المعصية رفض الاستسلام والوقوع فيها فصار يضرب به المثل في العفة والزهد.
المؤذن والجارية:
كان لسليمان بن عبد الملك مؤذن يؤذنه في قصره بأوقات الصلاة، فجاءته جارية له مولدة فقالت: يا أمير المؤمنين إن فلاناً المؤذن إذا مررت به لم يقلع بصره عني، وكان سليمان أشد الناس غيرة، فهم إن يأمر بالمؤذن ثم قال تزيني وتطيبي وامضي إليه فقولي له إنه لم يخف عني نظرك إلي، وبقلبي منك أكثر مما بقلبك مني، فإن تكن لك حاجة فقد أمكنك مني ما تريد، وهذا أمير المؤمنين غافل، فإن لم تبادر وإلا لم أرجع إليك أبداً.
فمضت إلى المؤذن وقالت له ما قال لها، فرفع المؤذن طرفه إلى السماء وقال: يا جليل أين سترك الجميل، ثم قال: اذهبي ولا ترجعي، فعسى أن يكون الملتقى بين يدي من لا يخيب الظن، فرجعت إلى سليمان وأخبرته الخبر فأرسل إليه، فلما دخل على سليمان قال له الحاجب: إن أمير المؤمنين رأى أن يهب لك فلانة ويحمل إليك معها خمسين ألف درهم تنفقها عليها.
قال المؤذن: هيهات يا أمير المؤمنين إني والله ذبحت طمعي منها من أول لحظة رأيتها، وجعلتها ذخيرة لي عند الله وأنا أستحي أن أسترجع شيئاً ادخرته عنده، فجهد به سليمان أن يأخذ المال والجارية فلم يفعل، فكان يعجب منه، ولا يزال يحدث أصحابه بحديثه.
المستفاد من القصة:
لولا تمسك المؤذن بالأخلاق الحسنة لوقع في المحذور وافتتن بجمال الجارية وقطع سليمان بن عبد الملك رأسه لكن مخافة الله في قلبه، حفظته، وحصنته من الخطيئة ومن شر الملك، كذلك أنت أخي المسلم يجب أن تعلم أن الدنيا ساعة فاجعلها طاعة ولا تأخذك شهوات الدنيا ومعاصيها عن طاعة الله وعبادته فالدنيا فقد قال الله تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة المؤمنون: 112-114]
نبذة عن القاضي المحسن بن علي التنوخي:
هو أبو علي المحسن بن علي التنوخي من أبرز أدباء ووجهاء عصره في العصر العباسي، ظلَّ يعمل في القضاء مدةً طويلة متنقلاً بين البلدان، إلى جانب عمله في القضاء والسياسة فقد كان القاضي التنوخي أديباً شاعراً ومؤرِّخاً له عدد من الكتب أبرزها، (المُستجاد من فعلات الأجواد – عنوان الحكمة – نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة – الفرج بعد الشدَّة)، توفى ببغداد في الخامس والعشرين من محرم عام 384هـ.