قصة الحسن والحسين وصاحبة الشاة، هي قصة رائعة عن صنع المعروف، من كتاب “المستجاد من فعلات الأجياد” للقاضي التنوخي البصري أبو علي، المتوفى : ٣٨٤هـ، وتدور أحداث القصة بين ثلاثة اتجهوا في طريقهم للحج، وفي الطريق ضاعت منهم مؤونتهم، ولم يبقى لهم أي شيء من طعام أو شراب، فهل يموتون جوعًا وعطشًا؟ أم يرسل الله لهم من يعينهم على سفرهم؟ هذا ما سوف نعرفه.

جود وكرم من عدم:
قال أبو الحسن المدايني : خرج الحسن والحسين رضي الله عنهما وعبد الله بن جعفر حجاجاً ففاتتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا، فمروا بعجوز في خباء لها فقال لها أحدهم: هل من شراب؟!! قالت نعم، فأناخوا إليها وليس لها إلا شاه صغيرة وهزيلة في كسر الخيمة، فقالت لهم: احلبوها واشربوا لبنها ففعلوا، ثم قالوا لها: هل من طعام؟!! قالت: لا إلا هذه الشاة، فليذبحها أحدكم حتى أهيئ لكم منها ما تأكلون، فقام إليها أحدهم فذبحها وكشطها، ثم هيأت لهم طعاماً فأكلوا وأقاموا حتى أبردوا، فلما ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا ، فإنا صانعون إليك خيراً، ثم ارتحلوا.

لوم وملامة:
أقبل زوج العجوز فأخبرته بخبر القوم وما كان من أمر الشاة، فغضب وقال: ويحك!! تذبحين شاتي لقوم لا تعرفينهم ثم تقولين نفر من قريش، ثم بعد مدة ألجأتهما الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها، وجعلا ينقلان البعر ويبيعانه، ويعيشان بثمنه، فمرت العجوز في بعض سكك المدينة فإذا الحسن بن علي رضي الله عنه على باب داره جالس، فعرف العجوز وهي له منكرة، فبعث إليها غلامه، فدعا بها.

الحسنة بعشرة أمثالها:
فلما دخلت على الحسن قال لها: يا أمةَ الله، أتعرفينني؟ قالت: لا، قال: أنا ضيفك يوم كذا، ففرحت وقالت قالت: بأبي أنت وأمي. ثم أمر الحسن فاشترى لها من شاة الصدقة ألفُ شاة، وأمر لها معها بألف دينار، وبعث بها مع غلامه إلى الحسين رضي الله عنه، فقال لها الحسين: بكم وصلك أخي؟!! قالت: بألف شاة وألف دينار، فأمر لها الحسين أيضاً بمثل ذلك.

 ثم بعث بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر، فقال لها: بكم وصلك الحسن والحسين؟!! قالت: بألفي شاة وألفي دينار، فأمر لها عبد الله بألفي شاة وألفي دينار، وقال لها لو بدأت بي لأتبعتهما. فرجعت العجوز إلى زوجها بأربعة آلاف دينار وأربعة آلاف شاة.

المستفاد من القصة:
ضربت لنا هذه العجوز أروع الأمثلة في الجود والكرم لأنها عندما أعطت العجوز أعطت من قليل يكاد يكون العدم، ولم تتردد لحظة واحدة في أن تقدم لهم طعامهم من أخر ما كان عندها، ولم تندم على ذلك ولو لحظة حتى عندما عاتبها زوجها ولامها على صنيعها، لذلك كانت مكافأتها من عند الله أضعاف مضاعفة فهي كريمة والله عز وجل الكريم الذي لا يضاهيه كرم، وهي جوادة، والله عز وجل الجواد الذي لا يماثل جوده أي جود على وجه الأرض، لذلك حصلت على مكافئة عظيمة لم تكن تخطر ببالها في يوم من الأيام، قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92]، وقال أيضًا: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]