قال الله تعالى {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}[سورة الأنبياء: 85] فمن هو ذا الكفل؟ وما هي قصته مع الشيطان؟ وهل هو نبي أم رجل من الصالحين؟ ورد في تفسير بن كثير من أمر ذا الكفل في تفسير الآية وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي، وقال آخرون: إنما كان رجلًا صالحًا، وكان ملكًا عادلاً، وحكمًا مقسطًا، وتوقف ابن جرير في ذلك، والله أعلم، وقال ابن جريج، عن مجاهد {وَذَا الْكِفْلِ} قال: رجل صالح غير نبي، تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي: ذا الكفل، وكذا روی ابن أبي نجيح، عن مجاهد أيضا.
السبب وراء تسميته ذا الكفل:
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا داود، عن مجاهد قال : لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي، حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس، فقال: من يتقبل مني بثلاث : أستخلفه يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب، قال: فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: فردهم ذلك اليوم، وقال مثلها في اليوم الآخر، فسكت الناس، وقام ذلك الرجل وقال: أنا فاستخلفه، قال: وجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك قال: دعوني وإياه، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة.
فدق الباب ، فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، قال: فقام ففتح الباب، فجعل يقص عليه فقال: إن بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا وجعل يطول عليه حتى حصر الرواح وذهبت القائلة، فقال: إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك، فانطلق وراح فكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ؟ فلم يره فقام يتبعه، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره ولا يراه فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب، فقال: من هذا فقال: الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له.
فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فأتني؟ قال: إنهم أخبث قوم، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا: نحن نعطيك حقك. وإذا قمت جحدوني، قال: فانطلق، فإذا رحت فأتني، قال: ففاتته القائلة، فراح فجعل ينتظره ولا يراه، وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق على النوم فلما كان تلك الساعة أتاه فقال له الرجل: وراءك وراءك؟ فقال: إني قد أتيته أمس، فذكرت له أمرى، فقال: لا، والله لقد أمرنا ألا ندع أحدا يقربه، فلما أعياه نظر فرأى گوة في البيت، فتسور منها فإذا هو في البيت، وإذا هو يدق الباب من داخل، قال: فاستيقظ الرجل فقال: يا فلان، ألم أمرك ؟ فقال : أما من قبلي والله فلم تؤت، فانظر من أين أتيت؟ قال: فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه فقال: أعدو الله؟ قال: نعم، أعييتني في كل شيء، ففعلت ما ترى لأغضبك، فسماه الله ذا الكفل؛ لأنه تكفل بأمر، فوفي به [وهكذا رواه بن أبي حاتم، من حديث زهير بن إسحاق، عن داود ، عن مجاهد، بمثله]
القصة برواية أخرى:
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن مسلم، قال: قال ابن عباس: كان قاض في بني إسرائيل، فحضره الموت، فقال: من يقوم مقامي على ألا يغضب؟ قال: فقال رجل: أنا فسمي ذا الكفل، قال: فكان ليله جميعًا يصلى، ثم يصبح صائما فيقضي بين الناس قال: وله ساعة يقيلها، قال: فكان كذلك، فأتاه الشيطان عند نومته، فقال له أصحابه: ما لك؟ قال: إنسان مسکین، له على رجل حق، وقد غلبني عليه، قالوا: كما أنت حتى يستيقظ . قال: وهو فوق نائم . قال: فجعل يصيح عمدًا حتى يوقظه، قال: فسمع، فقال: ما لك؟ قال: إنسان مسكين، له على رجل حق. قال: اذهب فقل له يعطيك، قال: قد أبى، قال: اذهب أنت إليه قال: فذهب، ثم جاء من الغد، فقال : ما لك؟ قال: ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأسا، قال: اذهب إليه فقل له يعطيك حقك، قال: فذهب، ثم جاء من الغد حين قال، قال: فقال له أصحابه: أخرج، فعل الله بك، تجيء كل يوم حين ينام، لا تدعه ينام؟ فجعل يصيح، من أجل إني إنسان مسكين لو كنت غنيًا؟ قال: فسمع أيضًا، فقال: ما لك؟ قال: ذهبت إليه فضربني، قال: امش حتى أجيء معك قال: فهو ممسك بيده، فلما رآه ذهب معه نثر يده منه، ففر.
ذا الكفل رجل من الصالحين:
عن أبي كنانة بن الأخنس، قال سمعت الأشعري وهو يقول على هذا المنبر: ما كان ذو الكفل بنبي، ولكن كان -يعني في بني إسرائيل- رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة، فتكفل له ذو الكفل من بعده فكان يصلي كل يوم مائة صلاة فسمي ذا الكفل.