تأخذ قصة بتر ساق عروة بن الزبير مساحة كبيرة من سيرته، ويرى من يذكرون سيرته بأن هذا الجزء مهم وحساس من سيرة التابعي الجليل عروة بن الزبير، أحد أبناء الصحابي الزبير بن العوام رضي الله عنه، وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، ويضرب دائمًا بـ عروة بن الزبير المثل في الخشوع أثناء الصلاة، والورع والزهد في الحياة ومباهجها ومفاتنها، كما يؤخذ من حياة عروة بن الزبير مواقف عن قوة تحمل قدر الله والصبر على قضاء الله وقدره .

قصة بتر ساق عروة بن الزبير :
وردت قصة بتر ساق عروة بن الزبير في العديد من الروايات، والتي اجمعت كلها على أن حادث بتر ساق عروة كان في عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك، حينما طلب الخليفة زيارة عروة بن الزبير للخليفة في مقر الخلافة الأموية في دمشق، فليس هناك اختلافات في مكان الرواية ولا في تاريخ حدوثها .

تحكي القصة أن عروة تجهز للسفر من المدينة النبوية إلى دمشق مقر الخلافة، واصطحب معه أحد أولاده، وتؤكد بعض القصص التي تناولت بتر ساق عروة أن الابن الذى اصطحب عروة كان أحب ابناؤه السبعة إليه، وأثناء توجه عروة بن الزبير وسفره إلى دمشق، أصيب في الطريق بمرض في رجله أخذ يشتد ويشتد حتى أنه دخل دمشق محمولاً، بعد أن فقد القدرة على المشي، تذكر القصص أن المرض الذي أصاب قدم عروة اسمة ( الآكلة )، الذي يعني داء يقع في العضو يتأكل منه، وفسره بعض المُعاصرون بأنه الغرغرينا وفسره آخرين أنه السرطان .

لما رأى الخليفة ضيفه يدخل عليه دمشق محمولاً ولا يقدر على المشي، جمع له الأطباء لمعالجته، فقرروا أن ليس هناك من علاج إلا بتر رجله من الساق، وإلا سرت الآكلة إلى ركبته حتى تقتله، ثم تتابع القصة أن الأطباء طلبوا من عروة أن يشرب المرقد، فرفض، فطلبوا منه أن يشرب خمرا، فرفض وأبى مستنكراً ذلك، فقالوا له فكيف نفعل بك إذاً ؟ قال : دعوني أصلي فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون !

وقام يصلي وتركوه حتى سجد فكشفوا عن ساقه ونشروا ساقه حتى بتروها، وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكناً، واحضروا الزيت المغلي و سكبوه على ساقه لـ وقف نزيف الدم الغزير، فلم يحتمل حرارة الزيت، فأغمي عليه .

مدى صحة القصة :
تناول وذكر هذه القصة كثيرين، لكن منهم من قال أن البتر كان من المفصل وتم وعروة صائم، ومنهم من قال أن البتر تم وهو يقرأ القرآن، ومنهم من قال أن البتر تم أثناء الصلاة، ومنهم من وصف الطبيب ومن معه ومن كان حاضرًا أثناء البتر، وماذا قال عروة، والرواية التي تقول أن البتر تم وهو نائم، تم رفضها، وكأن عملية البتر وهو في كامل وعيه وأثناء الصلاة ستضيف إلى عروة جديدا، وهو من هو .

رواية واحدة فقط هي التي تذكر أن عملية البتر تمت دون أن يمسك عروة أحدا، وتلمح للبعد الإنساني الطبيعي أنه شيخا كبيراً ، وتقول تلك الرواية :

حدثنا سليمان بن أحمد، قال : ثنا الحسن بن المتوكل ، قال : ثنا أبو الحسن المدائني ، عن مسلمة بن محارب، قال : قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد بن عروة فدخل محمد بن عروة دار الدواب فضربته دابة فخر فحمل ميتا ، ووقعت في رجل عروة الأكلة ولم يدع تلك الليلة ورده ، فقال له الوليد : اقطعها ، قال لا ، فترقت إلى ساقه ، فقال له الوليد : اقطعها وإلا أفسدت عليك جسدك، فقطعت بالمنشار وهو شيخ كبير فلم يمسكه أحد ، وقال : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا .