{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ} [سورة الرعد: 27-29]
تفسير الآية:
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا}: يخبرنا الله تعالى عن المشركين قولهم {لَوْلَا}: أي هلا، {أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}: كقولهم: {فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء:5] وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة، وأن اللّه قادر على إجابة ما سألوا، {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}: أي هو المضل والهادي، سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا، أو لم يجبهم إلى سؤالهم، فإن الهداية والإضلال ليس منوطاً بذلك، كما قال: {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101]، وقال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام:111]
{قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}: أي ويهدي إليه من أناب إلى اللّه، ورجع إليه واستعان به وتضرع لديه، {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ}: أي تطيب وتركن إلى جانب اللّه وتسكن عند ذكره، وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}: أي هو حقيقي بذلك، وقوله: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ}: قال ابن عباس: فرجٌ وقرة عين، وقال عكرمة: نعم ما لهم، وقال الضحاك: غبطة لهم. وقال إبراهيم النخعي: خير لهم، وقال قتادة: يقول الرجل: طوبى لك، أي أصبت خيراً، وقيل: حسنى لهم، {وَحُسْنُ مَآَبٍ}: أي مرجع، وهذه الأقوال لا منافاة بينها.
وروى السدي عن عكرمة: طوبى لهم هي الجنة، وبه قال مجاهد. وروى ابن جرير، عن شهر بن حوشب قال: {طُوبَى لَهُمْ}: طوبى هي شجرة في الجنة كل شجر الجنة منها أغصانها، وهكذا روى غير واحد من السلف أن طوبى شجرة في الجنة في كل دار منها غصن منها، وذكر بعضهم أن الرحمن تبارك وتعالى غرسها بيده من حبة لؤلؤة وأمرها أم تمتد، فامتدت إلى حيث يشاء اللّه تبارك وتعالى، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة من عسل وخمر وماء ولبن. وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال: «« إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها »» قال: فحدثت بها النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صل اللّه عليه وسلم قال: «« إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها »» وفي صحيح البخاري عن أنَس رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم في قول اللّه تعالى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:30] قال: «« في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها »».
وعن أبي سلام الأسود قال: سمعت أبا إمامة الباهلي قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «« ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى، فتفتح له أكمامها، فيأخذه من أي ذلك شاء، إن شاء أبيض، إن شاء أحمر، وإن شاء أصفر، وإن شاء أسود، مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن »»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: طوبى شجرة في الجنة يقول الله لها: «« تفتقي لعبدي ما شاء، فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها، وعن الإبل بأزمتها، عما شاء من الكسوة »»