{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} [سورة الكوثر: 1-3] جاءت الآيات بالبشارة لرسول الله صل الله عليه بأن الله أعطاه نهرًا في الجنة يقال له الكوثر وأن على الرسول أن يصلي ويجعل عبادته لله وينحر تقربًا وشكرًا لله عز وجل على عطائه، كما يعد القرآن بأن كل من يعادي رسول الله ويقف في طريق دعوته سوف سيصبح أبتر مقطوع الذكر.
الأحاديث في وصف الكوثر:
عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صل الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسمًا إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إنه أنزلت علي أنفًا سورة» فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها، قال: «أتدرون ما الكوثر؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير، ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم، فأقول يا رب إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
عن أنس بن مالك أنه قرأ هذه الآية: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق له شقًا، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ، فضربت بيدي في تربته، فإذا مسك ذفرة، وإذا حصاه اللؤلؤ».
عن أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما الكوثر؟ قال: «نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر» قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة؟ قال: «أكلها أنعم منها يا عمر»
تفسير الآيات من سورة الكوثر:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}: نهر في الجنة، عن عائشة لما سألت عن الآية، قالت نهر عظيم أعطيه نبيكم صل الله عليه وسلم، شاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد النجوم، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}: أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة فاخلص لربك في صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له، كما قال تعالى {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 -163] وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، وقيل المراد بقوله {وَانْحَرْ}: أي وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر، وقيل أي ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة، وقيل أي استقبل القبلة بنحرك، وعن الخرساني أي ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل وأبرز نحرك يعني به الاعتدال، والصحيح من هذه الأقوال هو ذبح المناسك {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}: أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره.
سبب نزول الآية {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}:
قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله هذه السورة.
وقال بن عباس نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش وقال البزار: حدثنا عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المصنبر المنبتر عن قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة وأهل السقاية، فقال: أنتم خير منه فنزلت الآية.