{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [سورة عبس: 1-16]
سبب نزول سورة عبس
كان رسول الله صل الله عليه وسلم في احد الأيام يخاطب أحد عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، وبينما هو يخاطبه ويناجيه حتى أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديمًا فجعل يسأل رسول الله صل الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وود النبي صل الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل الذي من قريش طمعًا ورغبةً في هدايته، وعس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الآخر فأنزل الله فيه {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [سورة عبس: 1-3].
أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك في قوله {عَبَسَ وَتَوَلَّى} جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صل الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} فكان النبي صل الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم وهو الأعمى الذي أنزل الله فيه {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى}»
تفسير الآيات من سورة عبس
{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}: أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه، {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}: أي يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم، {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى}: أي أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي، {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى}: أي ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة، {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى}: أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقوله له
{فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}: أي تتشاغل ومن هنا أمر الله عز وجل رسوله ألا يخص أحد بالإنذار، بل يساوي فيه بين الجميع، ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}: أي هذه السورة أو الوصية المساواة بين الناس في إبلاغ العلم من شريفهم ووضيعهم، وقال قتادة: يعني القرآن {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}: أي فمن شاء ذكر الله في جميع أموره ويحتما عودة الضمير على الوحي لدلالة الكلام عليه، {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ}: أي معظمة موقرة، {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}: أي عالية القدر من الدنس والزيادة والنقص، {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}: قال ابن عباس الملائكة، وقال قتادة هم القراء، وقال ابن جرير الصحيح أن السفرة الملائكة، {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}: أي خلقهم كريم حسن شريف، وأخلاقهم وأفعالهم بارة وطاهرة وكاملة وهو ما ينبغي على حامل القرآن أن يتصف به.