عند الإبحار في تاريخ الأدب العربي سوف نجد عدد كبير جدًا من الشعراء العرب الذين أثروا الحياة الأدبية بعدد كبير من الدواوين والقصائد الشعرية التي ما زال صداها قائمًا ويتناقلها الكثير من المهتمين بالشعر واللغة حتى اليوم ، ومن أبرز الشعراء الذين قد ذاع صيتهم لدى قدماء العرب بالعصر الجاهلي هو الشاعر طرفة بن العبد .
نبذة عن طرفة بن العبد
يُعتبر طرفة بن العبد واحدًا من أشهر الشعراء العرب وواحدًا من أشهر شعراء المعلقات أيضًا ، واسمه بالكامل هو: (طَرفة بن العبد بن سفيان من بن ضبيعة بن بكر بن وائل” وقد وُلد في البحرين وعاش في نجد ، وذكرت بعض المراجع الأدبية بأن اسمه الحقيقي كان (عمرو) ولكن تم إطلاق اسم طُرفة عليه بسبب أحد أبيات الشعر التي قام بإلقائها .
كان طَرفة ينتمي إلى قبيلة (بني ضبيعة) وكانت والدته تُدعى (وردة) وكان أخيها هو الشاعر (المتلمس) ، وكان لطرفة أخ يُدعى (معبد) وبعض الأخوات الإناث منهن أخت تُدعى (الخرنق) وكانت شاعرة أيضًا ؛ وهذا يفسر سبب الحالة الشعرية والرومانسية التي ورثها طرفة والتي ساهمت بشكل كبير في تحديد معالم شخصيته حيث كان معظم أفراد أسرته شعراء .
وتُوفي والده وهو في سن صغير ورفض أعمامه إعطاء إرثه من أبيه وبالتالي عاش طُرفة حياة فقيرة بائسة مع والدته إلى أن توفي عام 564م .
شعر طرفة بن العبد
تنوعت الأشعار والقصائد التي تركها لنا شعراء العرب ، حيث نجد قصيدة ثناء على الأخلاق وقصيدة غزل و قصيدة مدح رجل كريم ، وغيرهم من القصائد الأخرى ، أما طرفة بن العبد ؛ فلم يترك الكثير من الأشعار حيث كانت حياته قصيرة ، ولكنها في نفس الوقت كانت حياة مليئة بالأحداث والمواقف المختلفة التي أثرت على طبيعة أشعاره ؛ حيث كانت أشعاره تتركز بشكل كبير على حَث الأغنياء على التنعم بأموالهم قبل أن تنتهي حياتهم .
وقد ترك طرفة ديوان كبير من الشعر وأبرز ما جاء به كانت (المعلَّقة) ، حيث كان هذا الديوان يتألف من 657 بيت شعري ، وعدد أبيات المعلقة كان يبلغ 104 بيتًا شعريًا ، ومن أبرز الموضوعات التي تطرق إليها طرفه في أشعاره ، ما يلي :
-أشعار الغزل والبكاء على الأطلال ووصف المحبوبة .
-أشعار تضم نوعًا من العتاب لمن يطغى على حقوق الآخرين وهو يُشير هنا إلى عمه الذي حرمه من ورث أبيه .
-وصف بعض مظاهر حياة البادية مثل الناقة .
-وكثيرًا ما ذكر طَرفة ما يخص الحياة والموت في أشعاره وقد تضمنت بعض الأشعار وصيته لأهله بندبه عند وفاته .
مُعلقة طَرفة بن العبد
هل تعلم أن النقاد قد تناولوا معلقة طرفة بن العبد بشكل إيجابي تمامًا ؟ بل وجعلوها هي الأفضل من بين جميع أشعار الجاهلية ؛ ويرجع ذلك إلى أن شعر هذه المعلّقة قد اشتمل على العديد من جوانب الحياة وصورها بشكل دقيق جدًا وعلى سبيل المثال اهتمام طرفة بالجانب الإنساني في أشعاره ووصفه للمشاعر المتضاربة التي تجتاح النفس البشرية من وقت لاخر .والاراء المتنوعة والمختلفة أيضًا إيذاء مواقف الحياة المختلفة .
فضلًا عن وصف الموت والفراق بمعاني عميقة ومعبرة ونقل الكثير من الأخلاق والصفات الحميدة التي كان يتصف بها العرب حينذاك ، وبالتالي فإن هذه الأشعار تُلخص بشكل بليغ جوانب حياة شاب صغير كان يحمل قلبًا حزينًا طوال حياته ، وقد تم تقسيم مُعلقة طُرفة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي :
-القسم الأول تضمن الشعر الغزلي والبكاء على الأطلال (من بداية المعلقة وحتى البيت الشعري العاشر) .
-القسم الثاني تضمن الشعر الوصفي (من البيت الحادي عشر وحتى البيت الـ 44 ) .
-القسم الثالث تضمن الشعر الإخباري (وهو من البيت الـ 45 وحتى البيت الـ 99 ) .
ومن أهم الأبيات الشعرية التي ألقاها طرفة بن العبد في هذه المعلقة ، ما يلي :
-ذريني أروي هامتي في حياتها *** مخافة شربٍ في الحياة مصرد
-كريمٌ يروي نفسه في حياته *** ستعلم : إن متنا غداً أينا الصدي
-أرى قبر نخامٍ بخيلٍ بماله *** كقبر غويٍ في البطالة مفسد
-ترى جثوتين من ترابٍ عليهما *** صفائح صمٌ من صفيحٍ منضد
-أرى الموت يعتام الكرام و يصطفي *** عقيلة مال الفاحش المتشدد
-أرى الموت يعتاد النفوس و لا أرى *** بعيداً غداً ما أقرب اليوم من غد
-أرى العيش كنزاً ناقصاً كل ليلةٍ ** و ما تنقص الأيام و الدهر ينفد
-لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى *** لكالطول المرخى و ثنياه باليد
-متى ما يشأ يوماً يقده لحتفه *** و من يك في حبل المنية ينقد
-فما لي أراني و ابن عمي مالكاً *** متى أدن منه نيأ عني و يبعد
-يلوم و ما أدري علام يلومني *** كما لامني في الحي قرط بن معبد
-يلوم و ما أدري علام يلومني *** كما لامني في الحي قرط بن معبد
موت طرفه بن العبد
تُوفي طرفة بن العبد في سن صغير للغاية ؛ حيث قد ذكر بعض المؤرخين أنه قد توفي عن عمر 20 عامًا ومصادر أخرى ذكرت أنه توفي وعمره 26 عامًا ، وقد ذكرت المراجع الأدبية قصة موت طرفة بن العبد في أنه كان من الأشخاص المقربين للملك عمرو بن هند وكان أحد ندمائه ، وفي أحد الأيام أمره الملك بأن يقوم بتوصيل رسالة إلى عامله بالبحرين وكان يُدعى (المكعبر) ، وكان محتوى هذه الرسالة أمْر للمكعبر بقتل طرفة ، بسبب بعض أبيات الهجاء التي ذكرها طرفة في حق الملك ، وبذلك انتهت حياة طرفة وهو مازال شابًا صغيرًا على يد المكعبر .