إن القرآن الكريم يشتمل على الفضائل التي لا عد لها ولا حصر ، ولكل سورة من سوره المباركة هدف ومعنى محدد ، وجميعها نزلت من عند المولى عزّ وجل لهداية الإنسان إلى طريق الحق والإيمان ، ولذلك من الضروري تأمل سور القرآن الكريم وآياته باهتمام ؛ حيث أنه الدليل إلى النور والهدى ، ويحتوي القرآن على سور قصيرة وأخرى طويلة ، وتحمل جميع السور الكثير من المعاني التأملية التي يجب الوقوف عندها ومحاولة فهمها.
سورة العصر
سورة العصر هي إحدى السور المكية ، وبها ثلاث آيات فقط ، وتوجد في الجزء الثلاثين من المصحف ، وفيها يقول المولى عزّ وجل ؛ بسم الله الرحمن الرحيم “وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)” ، وفي هذه السورة القصيرة تكمن الكثير من المعاني التي تبرز منهج متكامل للحياة البشرية ، وفي الآية الأولى يقسم الله تعالى بالعصر وهو قسم يشير إلى الدهر أو الزمن أو ربما إلى عصر النبوة ، وتوضح الآية الثانية أن الإنسان مصيره إلى الهلاك والخسران ، بينما جاءت الآية الثالثة لتؤكد حفظ الله تعالى للذين آمنوا وهم الذين يسعون لنشر الخير والحق والصبر على الطاعات والابتلاءات.
سبب نزول وتسمية سورة العصر
إن سورة العصر لم يُذكر أي سبب لنزولها في كتب السنة النبوية ، كما أن الواحدي الذي يُعتبر من أوائل الذين كتبوا مؤلفات وبحثوا في أسباب نزول سور القرآن الكريم لم يذكر سببًا يختص بنزول سورة العصر ، وقد سُميت هذه السورة المباركة بالعصر بسبب ورود كلمة العصر في الآية الأولى ، وهو اللفظ الذي أقسم به الله تعالى “وَالْعَصْرِ” ، ويشير معنى العصر إلى الزمان وهو محل عمل الإنسان سواءًا من أعمال الخير أو الشر ، وبالتالي فإن مصيره يتوقف على أعماله في هذا الزمن ؛ فإما أن ينجح ويفوز ويكون من الذين آمنوا ، وإما أن يخسر ويهلك.
فضل سورة العصر
يحصل المسلم على عظيم الأجر والفضل عند تلاوته القرآن الكريم وتدبر آياته في كل وقت وحين ، وفضل القرآن الكريم يشمل جميع سوره المباركة ؛ غير أن هناك بعض السور التي تم اختصاصها بفضل معين وهو ما ورد في السنة النبوية مثل سورة البقرة والإخلاص والمعوذتين ، كما شاع بين الناس وجود فضل لبعض السور ولكن منها ما لم يرد عن الرسول صلّ الله عليه وسلم ، وفي سورة العصر أيضًا لم يرد عن النبي أي قول يختص بفضل خاص لها.
وعلى الرغم من عدم وجود حديث يشير إلى فضل سورة العصر ؛ إلا أن بعض الأئمة والعلماء قد تحدثوا عنها مثل الشافعي الذي قال عنها “لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم” ، كما قال عنها أيضًا “لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم” ، وقد ورد كذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا قراءة سورة العصر في حال حدث افتراق بين اثنين ؛ حيث ورد عن أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ أنه قال : ( كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ : ” وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ” ، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ).
ومن المؤكد أن سورة العصر ذات الثلاث آيات تحمل من الدروس والبلاغة الكثير ؛ حيث أنها تقر بوجود طريق واحد إذا سلكه الإنسان ؛ فإنه سينجو من الهلاك ويفوز بالخير من عند الله تعالى ، وهو منهج الإيمان بالله والسعي إلى العمل الصالح الذي يتمسك فيه الإنسان بالحق والصبر على أي ابتلاء ، وقد تلازم وجود الصبر مع الحق ؛ حيث أن الحق طريق للصلاح والإصلاح ولكنه فيه مشقة ، ولذلك فإنه يستلزم وجود الصبر.