هو زند بن الجون وذكر البعض أنه اسمه زند أو زيد ، ويرجع اختلاف المؤرخون  حول اسمه لشهرته بكنيته دون اسمه ، وهو شاعر ساخر عاش في العصر العباسي وكان مملوكاً لرجل من أهل الرقة من بني أسد ، قام بعتقه ، وعاصر الثلاثة خلفاء الأوائل من بني عباس ، وهم السفاح ، والمنصور ، والمهدي ، وكان شاعرهم الخاص فدائماً ما تواجد معهم ، وتميز أبو دلامة بحسه الفكاهي وأسلوبه الممتع في الرواية .

سبب تسميته بأبو دلامة

يذكر البعض أن سبب تسميته بهذا الاسم نسبة لابنه الذي يدعى دلامة ، بينما أختلف أخرون معهم وأرجعوا سبب التسمية للجبل المطل على الحجون بأعلى مكة ، ويقال أنه جبل أسود ذو صخور سوداء ، وكان المكان الذي يقوم فيه الرجال بوأد بناتهم في العصر الجاهلي ، فاسموه أبو دلامه لأنه طويل وأسود مثل الجبل .

نسبه ومولده

كان أبوه قصاص بن لاحق وكان عبداً لأحد رجال بني أسد من أهل الرقة ، ثم انتقل إلى الكوفة مع مولاه فتربى أبو دلامة هناك ، وكان ولائه لبني أسد ، ولا يوجد تاريخ واضح لمولده ولكنه عاصر الخليفة السفاح ، وقضى أكثر من عشرين عاماً في الدولة الأموية ، مما يجعل البعض يتوقعون تاريخ ميلاده في عام 100 أو 110 هجرية ، وذكرت بعض الروايات أنه توفى شيخاً كبيراً عام 160 هجرية .

طرائف أبو دلامة

يروي أبو دلامة أنه دخل يوماً على أبي جعفر المنصور ،في جلسة كان عنده ولداه جعفر والمهدي ، وابن عمه عيسى بن موسى فقال له المنصور : عاهدت نفسي يا أبا دلامة إن لم تهجو أحدممن في المجلس قطعت لسانك ، فقال أبو دلامة رواية عن نفسه : نظرت لأهل المجلس فإذا بخليفة وابناه وابن عمه ، وكان كل منهم يشير إلي بإصبعة بالصلة إن تخطيته ، وأيقنت أني إن هجوت أحدهم قتلت ، والتفت يمنى ويسرى  لأرى بعض الخدم لأهجوه فما وجدت أحداً فقلت في نفسي أما حلف على من في المجلس وأنا أحد من في المجلس ومالي إلا أن هجوت نفسي  فقلت :

لا أبلغ إليك أبا دلامة         فليس من الكرام ولا كرامه

إذا لبس العمامة كان قردا    وخنزير إذا خلع العمامه

جمعت ذمامة وجمعت لؤما   كذلك اللؤم تتبعه الذمامه

فإن تك قد أصبت نعيم دنيا   فلا تفرح فقد دنت القيامه

فضحك المنصور حتى استلقى وأمر لي بجائزة .

-من مواقفه أنه دعاه الأمير الكوفي روح بن حاتم المهلبي للنزول لحلبة القتال ذات مرة أمام أحد الفرسان ، فرفض أبو دلامة وذلك لجهله بأمور القتال والطعان والضراب ، وخاف وبدى عليه الريبة ، ولكن أبدى الأمير إصراره ، فلما رأى أبو دلامه إصرار الأمير قال : إني جائع فأطعمني ، فدفع الأمير الخبز واللحم إليه ، وتقدم الرجل وهم به ، فقال له أبو دلامة : اصبر يارهذا أي محارب تراني ؟ ، ثم قال أتعرفني ؟ قال الفارس : لا ، فقال أبو دلامة فهل أعرفك ؟ ، فقال الفرس : لا ، فقال فما في الدنيا أحمق منا ودعاه للغذاء ، فتغذيا جميعاً ثم افترقا فسأله الأمير روح عما فعل ، فحدث وضحك ودعا له فسأله عن القصة فقال :

إنّي أعوذ بروحٍ أن يقدّمني        إلى القتال فتُخزى بي بنو أسد

آل المهلّب حبُّ الموت ورثكم      إذ لا أورث حبَّ الموتِ عن أحد

-ومن طرائفه كذلك أنه كان دائماً ستغل أوقات صفاء الخلفاء لتلبية حاجته ، وكان يختار الوقت بعناية ودقة بالغة ، وكان السفاح يستمع له ، فكان واقفاً معه في أحد الأيام فقال له سلني حاجتك ، فقال أبو دلامة أريد كلب صيد ، فأمر الخليفة بإعطائه ، وقال أبو دلامة وأريد دابة أتصيد عليها ، فقال الخليفة أعطوه إياها ، وقال أبو دلامة وغلاماً يقود الكلب ويصيد به ، فقال الخليفة أعطوه غلاماً ، وقال وجارية تصلح الصيد وتطعمنا منه فأمر له الخليفة بجارية ، فقال أبو دلامة يا أمير المؤمنين هؤلاء عبيدك لابد لهم من دار يسكنونها ، فقال الخليفة أعطوهم داراً تجمعهم ، فقال أبو دلامة وإن لم تكن لهم ضيعة فمن أين يعيشون ؟ فقال الخليفة قد أقطعتك عشر ضياع عامرة ، وهكذا استغل أبو دلامة الموقف واستغل الفرص كأنه قناص يتصيد الفرص .

– وفي موقفه مع الخليفة أبو جعفر المنصور فقد كان ينسى الخليفة هيبته أمام الناس ، عندما فاجأه أبو دلامه بإحدى نوادره ، حتى عند موت زوجته ، فقد ماتت زوجته حمادة بن عيسى وكانت ابنة عمه وأبدى مظاهر الحزن عليها أمام أقاربها من بني عمومته ، فوقف المنصور ينتظر مجئ الجنازة ومعه أبو دلامة ، وأراد أبو جعفر المنصور أن يرتدي زي الواعظ لأبي دلامة فسأله عن رؤوس الأشهاد يا أبا دلامة ما أعددت لهذه الحفرة ؟ وأشار للقبر ، فما كان من أبي دلامة إلا أن قال : ” أعددتُ لها بنت عم أمير المؤمنين حمّادة بنت عيسى، فضحك المنصورُ وضحك الناس، وقال له المنصور ويحك فضحتنا بين الناس” .

– وفي أحد المرات علم الخليفة أن أبو دلامة خرج من عنده وشرب وسكر، فقام الخليفة باعتقاله وهو سكران ، وأمر السجان بأن يضعه في حظيرة الدجاج في السجن ، فلما أفاق وعرف بالخبر كتب للخليفة شعراً يقول :

أميرُ المؤمنين فَدَتك نفسي      ففيمَ حبستني وخرقتَ ساجي

أُقاد إلى السجونِ بغير ذنبٍ    كأني بعضُ عُمّال الخراجِ

فلو معهم حُبِسْتُ لهان وجدي   ولكنى حُبستُ مع الدجاجِ!